للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي قوله: {والله يختص برحمته} الآية، تعريض بأهل الكتاب، أن الَّذي آتاه نبيه والمؤمنين به من أهل الهداية تفضلًا منه، وأن نعمه لا تدرك بالأماني، ولكنها مواهب منه يختص بها من يشاء من خلقه.

والآية أيضًا تشير من الوجهة العمرانية، إلى أنَّه يجب على المؤمنين أن يعتمدوا على الله، ثم على أنفسهم في أسباب معاشهم، فيسابقون أهل الكتاب والمشركين إلى العلوم النافعة لهم، وإلى فنون الصنائع التي يظهرها الله على أيدي من يشاء، آنًا فآنًا، حتَّى يبرزوا عليهم، فلا يحتاجون إلى أعدائهم، لأنهم إذا تكاسلوا احتاجوا إليهم، فاختلطوا بهم، فأفسدوا عليهم أمر معاشهم كما أفسدوا عليهم دينهم، وجعلوهم خدمة لهم، وامتلكوا بلادهم وأذلوهم واستعبدوهم، لأنَّ الله حذر المؤمنين منهم بقوله: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم} فإذا كانوا لا يريدون الخير للمؤمنين، فكيف يركنون إليهم، ومن تبصر في أحوال أولئك الأعداء تجلى له مصداق هذه الآية الكريمة عيانًا.

ثم إنه تعالى بين نوعًا ثانيًا من طعن اليهود في الإسلام، حيث قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولًا وغدًا يرجع عنه، فنزلت هذه الآية.

{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦)}.

للمفسرين في تفسير هذه الآية مسالك، كل واحد منهم سلك بها مسلكًا على مقتضى الفن الَّذي غلب عليه.

فالأصولي يذكر هنا قواعد الأصول من جهة النسخ وغيره، كما فعله محمد بن عمر الرازي، والنحوي يدلي بحجته، والبياني يضع فن البيان نصب عينيه، وكل صاحب فن يدندن حول فنه، وإننا نسلك في تفسيرها مسلكًا نرجو أن يكون هو الصواب، غير مقلدين لواحد يريد ترويج فنه، وإمالة كتاب الله إلى

<<  <   >  >>