للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه قال: كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم: الجن. وقال أيضًا كان إبليس [قبل أن يركب] المعصية من الملائكة.

والقول الأول مروي عن كثير من الصحابة.

وقال ابن عباس أيضًا: كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان يقول: لو لم يكن من الملائكة، لم يؤمر بالسجود، انتهى.

وهذا الذي تدل (١) عليه الآية لأنه تعالى قال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ}، فصرح بأنهم هم المأمورون بالسجود، وإذا كان إبليس ليس منهم فلا يكون مأمورًا، فكيف يعاقب على ترك شيء لم يؤمر به. وأما قوله تعالى في سورة الكهف [٥٠]: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} فلا يوجب أن لا يكون من الملائكة، لأن الجن مأخوذ من الاجتنان وهو الستر، ولهذا سمي الجنين جنينًا لاستتاره، ومنه الجُنة لكونها ساترة، والجنة لكونها مستترة بالأغصان، ومنه الجنون لاستتار العقل فيه.

ولما كان هذا معروفًا عند أهل اللغة، والملائكة مستورون عن العيون، وجب إطلاق لفظ الجن عليهم بحسب اللغة.

وقوله تعالى: {أَبَى} مأخوذة من الإباء، وهو الامتناع عما حقه الإجابة فيه، {وَاسْتَكْبَرَ} عن السجود له، مشتق من الاستكبار، وهو استجلاب الكبر، ومعناه بَطَرُ الحق، وغَمْص الناس، وغمطهم، وموجب ذلك استحقار الغير من وجه، واستكمال النفس من ذلك الوجه، وذلك أن إبليس تكبر عن أن يتخذ آدم وصلة في عبادة ربه، أو يعظمه أو يتلقاه بالتحية، ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه، وكان في أصل جبلته {مِنَ الْكَافِرِينَ}، الذين سبق العلم بشقاوتهم، وإنما علم أنه كان في أصل جبلته من الكافرين، من الإتيان بلفظ {مِنَ}، الدالة على الابتداء، ومعناه اقتباس


(١) هذه الدلالة غير محصورة لترجح. بل الخلاف ما زال قائمًا، ولكل قول مستند.

<<  <   >  >>