للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحتمل أن المعنى: {وَلِكُلٍّ} ناحية وجَّهك إليها ربك يا محمَّد قبلة، الله {مُوَلِّيهَا} عباده، وروى ابن جرير معنى هذا عن قتادة، ومسالك المفسرين من المتأخرين تحوم حول الأوّل. وقيل: المراد: {لِكُلٍّ} قوم من المسلمين {وِجْهَةٌ}، أي: جهة [إلى] (١) الكعبة يصلي إليها، جنوبية، أو شمالية، أو شرقية، أو غربية، وهذا القول حسن لوجهين:

أولهما: قوله تعالى: {هُوَ مُوَلِّيهَا} يعني: الله {مُوَلِّيهَا}، وتولية الله لم تحصل إلا في الكعبة، لا في غيرها.

وثانيهما: أن الله عقبه بقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} والظاهر أن المراد من هذه {الْخَيْرَاتِ}، ما لكل أحد من جهة، والجهات الموصوفة بالخيرية ليست إلا جهات الكعبة.

وعندي (٢): أنَّه يجوز أن يكون المعنى على أعم من القبلة وغيرها، فيكون نظم الكلام: {وَلِكُلٍّ} من المذكورين وغيرهما {وِجْهَةٌ}، أي: مقصد يقصده، ويوجه وجهه إليه، ويقبل بقلبه عليه، {هُوَ} تعالى مُوَلِّي تلك الجهة، والمولِّي لها مائل إليها بوجهه، مستقبل وتابع لها، لأن المادة تدور على الميل بكل ترتيب، وفيه إشعار باختلاف جبلات أهل الملل، وإقامة كل طائفة منهم بما جبلت عليه، وهذا المعنى ينطبق على الآيات السابقة، إذ علم {الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ}، وإعراضهم عنه {وِجْهَةٌ} وقصد لهم، وكونهم لو أتاهم {بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا} قبلته وكونهم {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}، ولكنهم لا يظهرون ذلك كذلك.

ولما كانت الوجهة مختلفة، وكان منها الخير وغير الخير؛ قال تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} أي: فاجعلوا أنتم مقصدكم أنواع الخير من القبلة وغيرها، وتسابقوا في قصدكم إليها، أي: كونوا في المبادرة إلى أفعال الخير كمن يسابق خصمًا، فهو يجتهد في سبقه.

ثم حثهم على ذلك، وحذرهم من تركه على وجه التعليل، فقال: {أَيْنَ مَا


(١) زيادة من "البحر".
(٢) من كلام البقاعي ٢/ ٢٢٩! !

<<  <   >  >>