للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على غيرها، ولنتكلم الآن على الصنف الأول من أصناف المعطلة، لأن عقيدة هذا الصنف قد شاعت في زمننا شيوعًا عظيمًا، ولا سيما في البلاد الهندية، وأصل هذه النحلة الشنعاء، أن حكماء اليونان في القرن الرابع والثالث قبل المسيح عليه السلام، ذهب فريق منهم إلى نفي كل موجود سوى المادة والماديات، وإلى أن صنف الوجود مختص بما يدرك بالحواس الخمس، لا يتناول شيئًا وراءه، وعرفت هذه الطائفة: بالماديين، ولما سئلوا عما ينشأ من الاختلاف في صور المواد وخواصها، وعن التنوع الواقع في آثارها، نسبه الأقدمون منهم إلى الطبيعة، ولهذا اشتهرت هذه الطائفة: بالطبيعيين عند أهل اللغة العربية.

وذهب فريق منهم إلى وجود ذات مجردة عن المادة والمدة، مخالفة للمحسوسات في لوازمها، منزهة عن لواحق الجسمانية وعوارضها، وأثبت أن سلسلة الموجودات مادية ومجردة، تنتهي إلى موجود مجرد واحد من جميع الوجوه، مبرأ الذات عن التأليف والتركيب، ومحال عند العقل تصور التركيب فيه، وجوده عين حقيقته، وحقيقته عين وجوده، وهو المصدر الأول، والموجد الحقيقي، والمبدع لجميع الكائنات، مجردة كانت أو مادية، واشتهرت هذه الطائفة: بالمتأهلين، يعني: الخاضعين لله تعالى، ومنهم "أرسططاليس" (١) الذي ترجمت كتبه في الملة الإسلامية، واشتهر مذهبه فيما بين فلاسفتهم. وهو ما ينتحله "فيثاغورث وسقراط (٢) وأفلاطون" (٣) ثم اختلف هؤلاء بعد أن أصّلوا


(١) أرسطو (٣٨٤ - ٣٢٢ ق. م) مؤدب الإسكندر، فيلسوف يوناني، مؤسس مذهب "فلسفة المشائين" مؤلفاته كثيرة في المنطق والطبيعات والإلهيات والأخلاق أهمها: المقولات الجدل، العبارة أو التفسير، الخطابة، السماء والعالم، الكون والفساد، كتاب ما بعد الطبيعة. وبنقل مؤلفاته إلى العربية، أخذتها أوروبة عن العرب.
(٢) سقراط (٤٦٨ - ٣٩٩ ق. م) ولد في أثينا، فيلسوف يوناني كان يلقي دروسه في الأزقة وبين الجماعات بأسلوب عامي ينتابه السؤال والجواب.
(٣) أفلاطون (٤٣٠ - ٣٤٧ ق. م) من مشاهير فلاسفة اليونان. تلميذ سقراط ومعلم أرسطو. من مؤلفاته: الجمهورية أو السياسة، المحاورات، الشرائع.

<<  <   >  >>