للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بضرورات فكرية، وآيات قرآنية فطرية في كم آية وكم سورة، وسيمر بك بيانها أثناء هذا الكتاب، فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق، بأنه قادر على الكمال إبداء وإعادة، وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق والإبداع، وأنكروا البعث والإعادة وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد بقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)} [يس] فاستدل عليهم بالنشأة الأولى لأنهم يعترفون بها، فقال: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: ٧٩]. وصنف منهم أقروا بالخالق وابتداء الخلق ونوع من الإعادة، وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام، وزعموا أنهم شفعاؤهم عند الله تعالى في الآخرة، وحجوا إليها ونحروا لها الهدايا، وقربوا القرابين، وتقربوا إليها بالمناسك والمشاعر، وحللوا وحرموا، وهم الدهماء من العرب، إلا شرذمة منهم وهم الذين أخبر التنزيل عنهم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨)} [الفرقان] فاستدل عليهم بأن المرسلين كانوا كذلك، وشبهات العرب مقصورة على هاتين الشبهتين: إحداهما: إنكار البعث، بعث الأجساد، والثانية: جحد البعث، بعث الرسل, وعبروا عن ذلك في أشعارهم، فقال بعضهم (١):

حياة ثم موت ثم نشر ... حديث خرافة يا أم عمرو

ولبعضهم في رثاء من قتل يوم بدر:

وماذا بالقَلِيب قليب بدر ... من الشِّيزَى تُكَلَّل بالسَّنام

يُخبِّرنا الرسولُ بأن سَنَحْيا ... وكيف حياةُ أصداءٍ وَهامٍ؟

والكتاب العزيز تضمن الرد على هذه الفرق كلها، كما أنه تضمن الرد


(١) من شعر شداد بن الأسود في بكاء قتلى بدر. انظر "سيرة ابن هشام" ٣/ ٣٠، ٣١ ما قيل من الشعر في يوم بدر.

<<  <   >  >>