للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الإيماء الواقع، فقد عزم بنو النضير على أن يلقوا صخرة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وسمَّه أهل خيبر.

ثم أورد مضمون دعواهم بأداة الشك بقوله: {إن كنتم مؤمنين} إشعارًا بأن مثل ذلك لا يصدر من متلبس بالإيمان، ولما دل على كذبهم في دعوى الإيمان بما فعلوا بعد موسى، مما استحقوا به الخلود في النار، أقام دليلًا آخر أقوى من كل ما تقدمه، فإنه لم يعهد إليهم في التوراة ما عهد إليهم في التوحيد، والبعد عن الإشراك، وهو في النسخ الموجودة بين أظهرهم الآن.

وقد نقضوا جميع ذلك، باتخاذ العجل في أيام موسى وبحضرة هارون عليهما السلام، كما هو منصوص الآن في أيام موسى فيما بين أيديهم منها، بقوله:

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٩٢)}.

أعاد سبحانه وتعالى ذكر موسى في هذه الآية، وما جاء به من الآيات البينات، ثم أخبر أنهم مع وضوح ذلك أجازوا أن يتخذوا العجل إلهًا، وهو مع ذلك صابر ثابت على الدعاء إلى ربه، والتمسك بدينه وشرعه، فكأنه تعالى يقول لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: قل لهؤلاء اليهود الذين هم خلف من كان زمن موسى: إن حالي معكم كحال موسى مع سلفكم، وإن بالغتم في تكذيب ما فعل سلفكم مع موسى وبالغتم في إنكاره.

وفي هذه الآية استعظام لعبادة سلفهم العجل، حيث إنهم عبدوه عن علم بأنه لا يضر ولا ينفع، لأنهم عبدوه بعد أن جاءهم موسى بالبينات والبراهين الدالة على إفراده تعالى بالوحدانية، وأنه ليس بجسم ولا يشبهه الجسم، والعجل الَّذي عبده أسلافكم هو جسم مصنوع، وجماد ملقى على الأرض، وكذلك كانت عبادتهم له بعد أن رأوا من خوارق العادة ما لا يقبل الشك، أفنسوا جميع الخوارق وأصغوا إلى خوار عجل صنعه السامري لهم؟

<<  <   >  >>