للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أكثره من اعتراض عليه، فإن "عمرًا بن لحي" و "الحجاج بن يوسف" والقرامطة، دخلوا الحرم وأكثروا القتل في أهله، وكذلك إن تلك البقعة أكثر بلاد الله قحطًا وجدبًا، كما قال {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: ٣٧].

وحيث اختلفت الأقوال فالمرجع إلى ما صح سنده من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو من كلام أصحابه رضوان الله عليهم، فقد أخرج الإمام أحمد ومسلم والنسائي، عن جابر مرفوعًا "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها، فلا يصاد صيدها، ولا يقلع عضاهها"، وفي رواية لمسلم عن رافع بن خديج مرفوعًا: "إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها" يعني: المدينة، وقد ورد في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:

"إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض" بغير تحريم منه على لسان أحد من أنبيائه ورسله، فالله تعالى جعل مكة حرمًا حين خلقها وأنشأها، ولكن بمنع من أرادها بسوء، وبدفعه عنها من الآفات والعقوبات، وعن ساكنيها ما أحل بغيرها من النقمات، فلم يزل ذلك أمرها حتى بوأها الله إبراهيم خليله، وأسكن بها أهله هاجر وولده إسماعيل، فسأل حينئذ إبراهيم ربه إيجاب فرض تحريمها على عباده على لسانه، ليكون ذلك سنَّة لمن بعده من خلقه، يستنُّون به فيها، إذ كان تعالى ذكره قد اتخذه خليلًا، وأخبره أنه جاعله للناس إمامًا يقتدى به، فأجابه ربه إلى ما مسألة، وألزم عباده حينئذٍ فرض تحريمه على لسانه، فصارت مكة - بعد أن كانت ممنوعة بمنع الله إياها، بغير إيجاب الله فرضَ الامتناع منها على عباده، ومحرمة بدفع الله عنها، بغير تحريمه إياها على لسان أحد من رسله- فرضٌ تحريمها على خلقه على لسان خليله، وواجبٌ على عباده الامتناع من استحلالها واستحلال صيدها وعضاهها بإيجابه الامتناعَ عن ذلك ببلاغ إبراهيم رسالة الله إليه، بذلك إليهم. فلذلك أضيف تحريمها إلى إبراهيم، فقال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حرم مكة"، لأن فرض تحريمها الذي ألزم الله عباده

<<  <   >  >>