للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك الأشجار تحتاج إليها، بين الاحتياج القليل أو الكثير، فمن أين جاءه التخصيص، وأيضًا فإن الثمرات مفردة ثمرة، وحكى صاحب "البصائر" عن ابن عباس: أن الثمر أنواع المال، وقال في "القاموس": الثَمَر محركة حمل الشجر، وأنواع المال. وقرأ أبو عمرو بن العلاء: "وكان له ثُمْرٌ" وفسره بأنواع المال كذا في "الصحاح"، وقال: الأزهري في "التهذيب"، قال مجاهد في قوله تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف: ٣٤] ما كان في القرآن من ثمر فهو المال، فدل كلام أهل اللغة، على أن الثمر يكون في بعض الاستعمالات عامًا في ثمر الأشجار والحبوب، وصنوف المال، وساعدهم على هذا النقلُ عن سلف المفسرين، والمقام هنا مقام دعاء بالغذاء، والحبوب أهم من الثمار في الغذاء، فينبغي أن يفسر دعاء إبراهيم هنا بما هو أعم من ثمر الأشجار، ليكون شاملًا للحبوب ولأصناف المال الذي تحتاج إليه المدنية، ولا تقوم إلا به.

وقوله: {ومن كفر} عطف على {من آمن}، والمعنى وأَرزق من كفر، فأمتعه قليلًا، لأني أرزق البر والفاجر، قال أُبيُّ بن كعب: هو قول الرب جل ذكره، وروي عن ابن عباس: أنه من قول إبراهيم عليه السلام، والصواب من التأويل قول أُبيِّ رضي الله عنه.

والمعنى: قال الله: يا إبراهيم قد أجبت دعوتك، ورزقت مؤمني هذا البلد وكفارهم، متاعًا لهم إلى بلوغ آجالهم، ثم أضطر كفارهم بعد ذلك إلى النار، أي: فأجعل ما أرزقه الكافر من ذلك، في حياته متاعًا يتمتع به إلى وقت مماته، ودليل صحة هذا القول أن الله تعالى إنما قال ذلك لإبراهيم، جوابًا لمسألته ما سأل من رزق الثمرات لمؤمني أهل مكة، فكان معلومًا بذلك أن الجواب، إنما هو فيما سأله إبراهيم لا في غيره، وقوله: {ثم أضطره} أي: أسوقه {إلى عذاب النار}، والاضطرار الإكراه والإلجاء، أي: أدفعه إلى العذاب، وأسوقه سحبًا وجرًا على وجهه، {و} ساء {المصير}، عذاب النار بعد الذي كانوا فيه من متاع الدنيا الذي متعتهم فيها، و {المصير} هو: الموضع الذي يصير إليه الكافر بالله في عذاب النار، وفي الآية بيان أن نعمة المؤمن في الدنيا موصولة بالنعمة في الآخرة،

<<  <   >  >>