للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن لجواهرها أن تكون كذلك. اللهم فقهنا في الدين وألهمنا أسرار كتابك المنزل.

ومن حكمة الإهباط أيضًا، إقامة الحجة على الملائكة القائلين: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}، حيث عمموا في المقال، فأهبطه إلى الأرض ليكون من ذريته الأنبياء والرسل، والعباد المخلصون، وسلط إبليس، فلم يكن له بهم يد، وليميز أيضًا بين العدو الألد الذي هو إبليس، وبين صفيه، ليبين أن صفيه المطيع له لا يثنيه عنه وسوسة، ولا مداخلة عدو، وأن المتلبس يظهر عداوته بأدنى أمر ونهي.

هذا ولما تسبب عن جزاء آدم عليه السلام بالإهباط الذي هو كفارة له، أنه ألهم الدعاء بما رُحم به، عبر عن ذلك بقوله:

{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧)}.

ومن الحكمة في نهي آدم عن الأكل من الشجرة، ثم إقدامه على الأكل منها، التعليم والإرشاد، لأن الذنب يوجب لصاحبه التيقظ والتحرز من مصائد عدوه ومكامنه، ومن أين يدخل عليه اللصوص والقطاع ومكامنهم، ومن أين يخرجون عليه وفي أي وقت يخرجون، فهو قد استعد لهم وتأهب، وعرف بماذا يستدفع شرهم وكيدهم، فلو أنه مر عليهم على غرة وطمأنينة، لم يأمن أن يظفروا به ويجتاحوه جملة، وأيضًا فإن القلب يكون ذاهلًا عن عدوه، معرضًا عنه مشتغلًا ببعض مهماته، فإذا أصابه سهم من عدوه، استجمع له قوته وحاسته وحميته، وطلب بثأره إن كان قلبه حرًا كريمًا كالرجل الشجاع إذا جرح فإنه لا يقوم له شيء، بل تراه بعدها هائجًا طالبًا مقدامًا، والقلب الجبان المهين إذا جرح كالرجل الضعيف المهين إذا جرح، ولّى هاربًا والجراحات في أكتافه، وكذلك الأسد إذا جرح فإنه لا يطاق، فلا خير فيمن لا مروءة له، يطلب أخذ ثأره من أعدى عدوه، فلا شيء أشفى للقلب من أخذه بثأره من عدوه، ولا عدو أعدى له من الشيطان، فإن كان قلبه من قلوب الرجال المتسابقين في حلبة المجد، جد في أخذ الثأر، وغاظ عدوه كل الغيظ، وأضناه، فآدم لما علم بتسلط عدوه عليه، وكيده له،

<<  <   >  >>