غير معدود لوحدته، وأيضًا فإن الشمس تبقى على حالة واحدة، فلا يعلم انتقالها في البروج الذي هو كناية عن الشهر، إلا من له معرفة بفني الهيئة والحساب، وهذا يصعب أن يكون جميع المخاطبين سواء في معرفته، بخلاف القمر فإن انتقاله في منازله مشاهد لكل أحد بزيادته ونقصانه، لا يحتاج إلا لحساب ما مضى وما بقي منه.
وخطاب القرآن إنما هو للعموم لا للخصوص، فلذلك أنيط الصوم بالشهر القمري، ولم ينط بالشمسي.
ثم إنه تعالى رغب النفوس في هذا الشهر، حيث مدحه بقوله:{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، أي: ابتدئ فيه إنزال القرآن على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك في رمضان، وكل سورة تسمى قرآنًا، وكذا الآية، بدليل قوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}[الأعراف: ٢٠٤]. وآية {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ}[الإسراء: ٤٥]، والمراد بالمقروء ليس القرآن كله بل بعضه؛ وهنا قوله:{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، إشارة إلى ابتداء نزوله، وإذا حمل على القرآن كله لم يستقم المعنى، لأنه حين نزول هذه الآية، لم يكن القرآن تام النزول، وكم من سورة وآية نزلت بعدها؛ فلا شك أن (الـ) في القرآن هنا إشارة إلى حصة معينة سميت قرآنًا.
وفي هذه الآية إشعار لطيف، بأن الله لم يكلف عباده المشقة في دينه، بل جعله ميسرًا لهم، حيث جعل الصوم على الشهر القمري، ولم يكلفهم بما يشق عليهم من الحساب الشمسي، ليتفرغوا لأعمالهم في أمر معاشهم، وبأن {شَهْرُ رَمَضَانَ} شهر صوم وتلاوة قرآن، لا شهر عبادة بما لم ينزل الله به قرآنًا، كالبدع المبتدعة، بذكر الله تعالى بما لم يسم به نفسه، ولا سماه به رسوله.
وأكثر ما يكون رواج البدع في هذا الشهر، فلذلك قال تعالى:{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، أي: ولم ينزل فيه تلك التي ابتدعها من لم يعرف من الدين إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه.