ففي الآية سر عجيب، يظهر هذا السر في كل زمان، ولا سيما في زماننا، فإن الأمة الإِسلامية لا زالت تتخلف عن الجهاد، وعن إعداد العدة له، فلم تسابق أعداءها في الفنون الحربية، وفي المخترعات التي اخترعوها لهلاكها، حتى أكثر غزو الأعداء لها في عقر دارها، فأخذوا ينقصون أرضها من أطرافها، تارة بالحيل والدسائس، وإثارة الفتن، وتفريق الكلمة؛ وتارة بالتهويل والإرهاب، وتارة بالحرب في عقر الديار، حتى أمسى معظم بلاد المسلمين في أيدي الأعداء، والمسلمون معانقون للبله، مخلدون للسكون كالأرقاء، فطمع العدو بهم، ونظر إليهم نظر الاحتقار، وتألب بأجمعه على كيدهم، حتى غزاهم في عقر دارهم في البقية الباقية لهم من البلاد؛ وفي أثناء كتابتي لهذه الأسطر، وقبلها بثلاث سنين، اشتعلت نيران الحرب من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، ومن الجنوب إلى الشمال، وما ذلك إلا للقضاء على البقية الباقية من البلاد بأيدي المسلمين، فابتلوا بـ {الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}، فلم يكن لهم ملجأ إلا الصبر على الجهاد، نسأله تعالى حسن العاقبة (١).
وأتى بقوله {بِشَيْءٍ} منكراً منوناً تنوين تقليل، وعطف عليه ما بعده كذلك، حثاً على الشكر، بالإشارة إلى أن كل ما أصاب منها، ففي قدرة الله ما هو أعظم منه، فعدم الإصابة به نعمة، فإذا لاحظ السامع هذا، أخلص حالة البلاء لله، ورجع إلى بابه أكثر من إخلاصه حالة إقبال الدنيا عليه.
ولما كان الجوع قد يكون عن رياضة، بيّن أنه عن حاجة بقوله:{وَنَقْصٍ} وهو التقاصر عن الكفاف من الأموال، أي: النعم التي كانت منها أغذيتهم، وقال ابن جرير الطبري: قوله {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ}، يعني:{مِنَ الْخَوْفِ} من العدو، وبـ {وَالْجُوعِ} يعني: القحط. يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وسَنَة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة، وتَعَذَّرُ المطالب عليكم، فتنقص لذلك
(١) يشير إلى الحرب العالمية الأولى ١٩١٤ - ١٩١٨ وما أشار إليه بنا وما زال بلاؤه ولا حول ولا قوة إلا بالله.