للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧] ومنه الصلوات المكتوبات، أي: المفروضات.

وأما القصاص، فهو أن يُفعَل بالإنسان مثل ما فَعَل، من قولك: اقتص فلان أثر كذا، إذا فعل مثل فعله، وهنا كأنه يُتبع بالجاني أثر ما جنى، فيتبع أثر عقوبته أثر جنايته؛ وإنما بني الفعل للمجهول, لأنه لما حصل التهذيب بما وقع سابقًا من التأديب، علم المخاطبون أن الفعل كله لله، فبنى {كُتِبَ} لما لم يسم فاعله.

و{الْقَتْلَى} جمع قتيل كالصرعى، وإنما يجمع الفعيل على الفعلى إذا كان صفة للموصوف به، بمعنى الزمانة، والضرر الذي لا يقدر معه صاحبه على البراح من موضعه ومصرعه، نحو القتلى في معاركهم، والصرعى في مواضعهم، وما أشبه ذلك.

فتأويل الكلام حينئذ: فرض {عَلَيْكُمُ} أيها المؤمنون {الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}، أن يقتص {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}. ثم ترك ذكر "أن يقتص" اكتفاء بدلالة قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ}. واختلف في سبب نزول هذه الآية:

فروى البخاري عن ابن عباس، قال: كان في بني إسرائيل القِصاص، ولم يكن فيهم الدية، فقال الله تعالى هذه الآية. وهذا يشير إلى أنه لما بدل أهل الكتاب حكم التوراة في القصاص، الذي أشير إليه بآية المائدة، إلى أنه كتب عليهم العدل فيه، فكان من كان منهم أقوى، جعل لقومه في ذلك فضلًا، فكان بنو النضير، كما نقله ابن هشام في السيرة: يأخذون في قتلاهم الدية كاملة، وبنو قريظة نصف الدية، وكان بعضهم -كما نقله البغوي في تفسير سورة المائدة عن ابن عباس- يقتل النفسين بالنفس، أشار تعالى إلى مخالفتهم في هذه الآية.

وأيًا ما كان سبب النزول، فإن العبرة بعموم اللفظ، وإننا مخاطبون بهذه الآية، وبيان ذلك، أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} يدل على أنه فرض علينا، وإقامة ذلك الفرض واجبة على الإِمام، أو من يجري مجراه, لأنه متى

<<  <   >  >>