يكون متصفًا بالعلم أصلًا، لأنَّ هذه طريقة العوام، وأن المُضلَّ وإن كان مذمومًا، فالمغتر بإضلال المضِل أيضًا مذموم, لأنَّه تعالى ذمهم وإن كانوا بهذه الصفة.
ولما أثبت لهذا الفريق القطع على الله بما لا علم لهم به، وكان هذا معلوم الذم محتوم الإئم، سبب عنه الذم والإثم بطريق الأولى لفريق هو أردؤهم وأضرهم لعباد الله، وأعداهم فقال:{فويل}، والويل جماع الشر كله, أي: ما يجمع الشر كله كائن {للذين يكتبون} منهم، أو من غيرهم، {الكتاب} الذين يعلمون أنَّه من عندهم لا من عند الله تعالى، أو يكتبون التأويلات الزائفة {بأيديهم} تأكيد لدفع توهم المجاز كقولك: كتبته بيميني.
ثم أشار إلى قبح هذا الكذب وبعد رتبته في الخبث بـ {ثم} المفيدة للتراخي، فقال:{ثم يقولون}، أي: لما كتبوه كذبًا وبهتانًا {هذا من عند الله}.
ثم بين بالعلة الحاملة لهم على ذلك خساستهم وتراميهم إلى النجاسة، ودناءتهم، فقال:{ليشتروا به}، أي: بذلك الكذب الذي صنعوه {ثمنًا قليلًا}، ثم سبب عنه قوله:{فويل لهم مما كتبت أيديهم} من ذلك الكذب على الله، {وويل لهم مما يكسبون}، أي: يجددون كسبه مما اشتروه به، والمراد مما يكسبون من الخبث، ولكنه حذفه لوضوح الدلالة عليه بقرينة ما تقدم.
وفي هذه الآية بيان لما شرف به كتابنا من أنَّه لإعجازه، لا يقدر أحد أن يأتي من عنده بما يدسه فيه، فيلبس به، فله تعالى الحمد والمنة.
وأشارت الآية إلى أن كسبهم هذا في غاية الرداءة لأنهم ضلوا عن الدين، وأضلوا، وباعوا آخرتهم بدنياهم، فذنبهم أعظم من ذنب غيرهم، فإن المعلوم أن الكذب على الغير مم يضر بعظم إثمه، فكيف بمن يكذب على الله ويضم إلى الكذب الإضلال، ويضم إليهما حب الدُّنيا والإحتيال في تحصيلها، ويضم إليها أنَّه مهد طريقًا في الإضلال باقيًا على وجه الدهر، فلذلك عظم الله تعالى ما فعلوه.