قولهم باطل، أما الآية فهي صحيحة ظاهرًا وتقديرًا، وأيضًا فالقصاص في الآية أعم من القتل، فيدخل فيه القصاص في الجراح والشجوج، وذلك لأنه إذا علم أنه إذا جرح عدوه اقتص منه، زجره ذلك عن الإقدام، فيصير سببًا لبقائهما, لأن المجروح لا يؤمن فيه الموت، وكذلك الجارح إذا اقتص منه، وأيضًا فالشجة والجراحة التي لا قود فيها، داخلة تحت الآية، لا يأمن أن تؤدي جراحته إلى زهوق النفس، فيلزم القود، فخوف القصاص حاصل في النفس، والقتل لا يكون إلا في النفس، فالآية أعم وأنفع في تحصيل الحياة.
ونبه بالنداء في قوله:{يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}، ذوي العقول والبصائر على المصلحة العامة، وهي مشروعية القصاص، إذ لا يعرف عنه محصولها إلا أولو الألباب، القابلون لامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، وهم الذين خصهم الله بالخطاب:{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الرعد: ١٩، الزمر: ٩] , {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[البقرة: ١٦٤، الرعد: ٤، النحل: ١٢، الروم: ٢٤]{لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ١٩٠]{لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى}[طه: ٥٤ و ١٢٨]{لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ}[ق: ٣٧].
وأولو الألباب هم: الذي يعرفون العواقب، ويعلمون جهات الخوف، إذ من لا عقل له، لا يحصل له الخوف، فلهذا خص به ذوي الألباب، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} القصاص فتكفون عن القتل، وتتقونه حذرًا من القصاص، أو الانهماك في القتل، أو تتقون الله باجتناب معاصيه، أو تعملون عمل أهل التقوى، في المحافظة على القصاص، والحكم به، وهو خطاب له فضل اختصاص بالأئمة. وهذه أقوال خمسة. أولاها: ما سيقت له الآية من مشروعية القصاص، وقد أبدى الحرالي هنا نكتة لطيفة، نبهته إليها لفظة "لعل"، وهي: أنها أشارت إلى تصنيف المخاطبين صنفين: الأول منهما: من يثمر له ذلك الخطاب تقوى، والكفاف عن الأذى، والثاني: من لا يزيده إلا اعتداء، ولا يحمله إلا معاندة الأمر.