الرابح من التجار، هو: المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلًا هو أنفس من سلعته التي هي بضاعته، أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعه به، فأما المستبدل من سلعته بدلًا دونها، ودون الثمن الذي يبتاعها به، فهو الخاسر في تجارته لا شك، فكذلك الكافر والمنافق لأنهما اختارا الحيرة والعمى، على الرشاد والهدى، والخوف والرعب على الحفظ والأمن، فاستبدلا في العاجل، بالرشاد الحيرة، وبالهدى الضلالة، وبالحفظ الخوف، وبالأمن الرعب؛ مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب، وشديد العذاب، فخابا وخسرا، ذلك هو الخسران المبين، استبدلوا الدين القيم الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها، بالضلال، فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة.
فإن قلت: كيف أسند عدم الربح إلى التجارة، وإنما هو لأصحابها لا لها.
قيل: هو من الإسناد المجازي، وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له، كما تلبست التجارة بالمشترين، وذلك أن الله تعالى خاطب عربًا فسلك في خطابه إياهم وبيانه لهم، مسلك خطاب بعضهم بعضًا، وبيانهم المستعمل بينهم، وأنت إذا تأملت الكتاب العزيز، وجدته سالكًا هذا الأسلوب البديع من التعبير بالحقيقة، حيث تكون البلاغة في جانبها، وبالمجاز حيث تكون البلاغة في جانبه، وبالأوصاف التي تعرفها العرب، كما في أوصاف الجنة، من أن فيها: فاكهة ونخلًا ورمانًا، والنار من أن فيها سلاسل، وأغلالًا وسعيرًا، وإن كانت حقيقة ما فيهما وراء ذلك، وما هو إلا وصف للشيء بما يقربه إلى العقول، وهذه القاعدة تنفع في كثير من تفسير الكتاب العزيز.
وقوله:{وما كانوا مهتدين}، معناه: أنهم ما كانوا رشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى، واستبدالهم الكفر بالإيمان، واشترائهم النفاق بالإقرار والتصديق، فلم يهتدوا لطرق التجارة، كما يكون التجار المتصرفون العالمون بما يربح فيه ويخسر.
تلك أوصاف المنافقين، قصها الله علينا لنعتبر بها، ونعلم أن كل من خادع في شرع الله وفي دينه، مندرج مع أولئك خاسر في تجارته، وغير مهتد إلى