للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه، [و] أن أُحل بكم من عقوبتي، إن لم تنيبوا وتتوبوا إليَّ باتباعه، والإقرار بما أنزلت إليه، ما أحللت بمن خالف أمري، وكذب رسلي من أسلافكم.

وقد أطال سبحانه وتعالى في حجاجهم، جريًا على قانون النظر في جدال العالم الجاحد، وخطاب المنكر المعاند.

وفي قوله تعالى:

{وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)}.

تقرير لقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}، وقد أمروا بتجديد الإيمان بالقرآن، لما فيه من الإخبار بأمور من المغيبات التي لم تكن في كتابهم، كتأصيل أمور الآخرة التي استوفاها القرآن، لأنه خاتم ليس وراءه كتاب ينتظر فيه بيان، وقد أبقى الله لكل كتاب قبله بقية، أحيل فيها على ما بعده ليتنامى البيان إلى غاية ما أنزل به القرآن، حين لم يعهد إليهم إلا في أصله على الجملة.

وفي قوله: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}، معنى دقيق في تبكيتهم، وأمر جليل من تعنيفهم، وذلك أن لفظ {أَوَّلَ} ليس المراد به معناه الحقيقي المتبادر إلى الذهن، فإن العرب كثيرًا ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته، بل تريد المبالغة في السبق، ومعناه هنا: ولا تكونوا أول من كفر به، أو: أول فريق أو فوج كافر به، أو: لا يكن كل واحد منكم أول كافر به، وهذا تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به، لمعرفتهم به وبصفته، ولأنهم كانوا المبشرين بزمانه، والمستفتحين على الذين كفروا به، وكانوا يعدون أنفسهم من أتباعه، أول الناس كلهم، فلما بعث كان أمرهم بصحته في غاية اللجاجة، فكان عملهم في كفرهم، وإن تأخر عمل من يسابق شخصًا إلى شيء، وأيضًا إنه لم يمنعهم من الإيمان به

<<  <   >  >>