للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستحضروا منها ما سبقه النسيان، ويطيعوا من أعطاهم إياها، وأراد بالنعمة هنا: ما أنعم به على آبائهم، مما عدده سبحانه وتعالى في الآيات الآتية, ومن غير هذه السورة، وما أنعم به عليهم من إدراك بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، المبشر به في التوراة والإنجيل، والنعمة هي: أن ينال الشخص ما يوافقه ظاهرًا من أهله وحشمه، أو ظاهرًا وباطنًا، والباطنة نعمة التوحيد، والعلم والمعرفة، والعقل وجودة الرأي.

وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي}، أي: أوفوا بما عاهدتموني عليه من أنكم تؤمنون بي، وتطيعونني فيما آمركم به، {أُوفِ} لكم بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم. ولعل أحدًا يفكر في أن ما هنا يعارض قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤ , النحل: ١٨] فيقول: إذا كانت النعم منه تعالى غير متناهية، فكيف أمرهم تعالى بذكرها، والذكر لا يكون إلا لشيء محصور؟ فنقول له: إن النعم غير متناهية بأفرادها لا بأجناسها، والنعمة جنسها واحد، وهو: نيل الشخص ما يوافقه ظاهرًا وباطنًا، والمأمور به أن يتذكروا كل ما كان خيرًا ناله أسلافهم أو وصل إليهم، ويعتقدوا بأنه صار من فضل الله تعالى. ولعل المراد من العهد هنا، عهد الله ووصيته الذي أخذه على بني إسرائيل في التوراة، أن يبينوا للناس أمر محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، أنه نبي الله، وأن يؤمنوا به وبما جاء به من عند الله تعالى، وهذا القول هو الصواب، لأن التوراة قد نسخت بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبق شيء منها، يطالبهم الله بالوفاء به، وبالعمل بما فيه، إلا هذا الأصل العظيم، وقد أخذ تعالى عهدهم وميثاقهم بأن يؤمنوا به، فإذا وفوا بهذا العهد أنجز لهم ما وعدهم عليه بتصديقه واتباعه، بوضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقهم، بذنوبهم التي كانت من إحداثهم، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس في هذا الموضع، والآيات القرآنية تدل عليه, كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: ١٥٧] ويدل عليه أيضًا الآية التي بعد هذه. وقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} معناه: وإياي فاخشوني واتقوني لا غيري، أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل،

<<  <   >  >>