للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن اللائح من قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} أن آدم لما صار حيًا سجدت إليه الملائكة، لأن الفاء تدل على التعقيب، ومعناه هنا: أنه لما أمرهم بالسجود سجدوا، وقوله تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (٧١) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: ٧١] يدل على أن أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، كان قبل أن يسويه، وأن ينفخ فيه الروح، فلما كان بشرًا سويًا سجد له الملائكة، فكان الأمر متقدمًا على الفعل، كذا لوّح به جماعة من المفسرين.

والتحقيق: أنه لا منافاة بين الآيتين، إذ الفاء في الآية التي نحن بصدد الكلام عليها وإن كانت للتعقيب، إلا أن علماء العربية قد صرحوا بأن تعقيب الشيء للشيء منظور فيه للعرف، فهو في كل شيء بحسبه، فقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}، وإن كان سابقًا على سجودهم له، يعد تعقيبًا حيث لم يكن بين القول وبين السجود إلا خلق آدم وتصويره، ومثله قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: ٦٣]. ومن المعلوم أن اخضرار الأرض لا يعقب نزول المطر، بل يقع بعد مدة وتراخ، إلا أن العرف يعد هذا تعقيبًا، وذلك لأن نزول المطر هو الذي يجعل الأرض متهيئة لإخراج النبات، ومن هذا قولهم: تزوج فلان فولد له، إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل، وإن كانت متطاولة، وهذا المسألة مشهورة بين صغار الطلبة، إلا أنه لما كان الفخر الرازي أبدى بحثها في تفسيره في هذا الموضع، وسكت عن الجواب عنها احتجنا لبيانها.

ثم ليعلم أن العلماء اختلفوا في "إبليس"، هل هو من الملائكة أم من الجن؟ فذهب بعض المتكلمين، ولا سيما المعتزلة، ومنهم صاحب الكشاف، إلى أنه لم يكن من الملائكة. وذهب كثير من الفقهاء، إلى أنه كان من الملائكة، ولكل أدلة، ولكن يمكن أن يرجع القولان إلى الاتفاق في المعنى والاختلاف في التعبير، فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره، عن ابن عباس،

<<  <   >  >>