الرضا هو: إقرار ما ظهر عن إرادة، والمعنى:{لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى} لشيء من الأشياء، {حتى تتبع ملتهم} أي؛ تكون بشيرًا لهم، ولن تكون بشيرًا لهم حتى توافقهم فيما أحدثوه من أهوائهم، بأن تتبع كتابهم على ما بدلوا فيه وحرفوا، وأخفوا. كما يشير إلى هذا إضافة الملة إليهم، لا إلى صاحبها المعصوم، وهو إبراهيم عليه السلام، ويكون ذلك برغبة منك تامة، كما أفهمته صيغة الافتعال، لأن "اتبع""افتعل"، ومصدره الاتباع، وهو افتعال، وتترك كتابك الناسخ لفروع كتابهم، ومفادهم أنه تعالى علق رضائهم عنه بأمر مستحيل الوقوع منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو اتباع ملتهم، والمعلق بالمستحيل مستحيل.
وهذا الخطاب وإن كان للنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكنه في ضمنه التأديب لأمته، فإنهم يعلمون قدره عند ربه، وإنما ذلك ليتأدب به المؤمنون، فلا يوالون الكافرين، فإنهم لا يرضيهم منهم إلا اتباع دينهم، والملة هي: الدين، وإذا كان لا يرضيهم إلا ذلك، كان مستحيلًا، لأن اليهود لا يرضون إلا باتباع دينهم، والنصارى لا يرضون إلا باتباع دينهم، والوثنيون لا يرضون إلا باتباع دينهم، وكلها أديان متنافرة، ولا يمكن للشخص الواحد أن يجتمع فيه دينان متخالفان، فضلًا عن أديان.
ولما كان الحال كأنهم قالوا: لن نرضى عنك وإن أبلغت في طلب رضانا، حتى تتبع ملتنا، إقناطًا منهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن دخولهم، فحكى الله عز وجل كلامهم، ولذلك قال:{قل} أي: على طريق إجابتهم عن قولهم: {إن هدى الله هو الهدى} أي: {إن هدى الله} الذي هو الإسلام {هو الهدى} بالحق، والذي يصح أن يسمى هدى، وهو الهدى كله ليس وراءه هدى، وما تدعون إلى اتباعه ما هو بهدى إنما هو هوى، ألا ترى إلى قوله:{ولئن اتبعت أهواءهم} يعني: