للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الآية، فقيل: إنه خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأمته، وهذا قول الحسن، وجوز الزمخشري أن يكون خطابًا للكافرين، أي: قولوا لتكونوا على الحق، وإلا فأنتم على الباطل.

وفي قوله: {وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ} تعميم بعد تخصيص، وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ} معناه: لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى، أو المعنى: لا نقول: إنهم يتفرقون في أصول الديانات، و {أَحَدٍ} في معنى الجماعة، ولذلك صح دخول {بَيْنَ} عليه، إذ هو اسم عام تحته أفراد، وأما الأسباط فقال الخليل: السِّبْط في بني إسرائيل كالقبيلة في العرب، انتهى.

و{الْأَسْبَاطِ} الحفدة، وهم حفدة يعقوب عليه السلام، وذراري أبنائه الاثني عشر.

وأنت إذا تأملت هذه الآية والتي قبلها، وجدتهما يشيران إشارة من ألطف الإشارات، ويلفتان إلى معنى من أدق المعاني، ويلوحان إلى أن النصارى واليهود وأمثالهما يدعون إلى دينهما، فلا تطعهما في دعواهما، واتبع دين الفطرة والاستدلال الذي هو دين إبراهيم عليه السلام، حيث استدل بالمصنوعات على الصانع، وذلك مما فطر كل كامل العقل عليه، فأفرد الحق تعالى بالوحدانية، وذلك دين لا يتغير بتغير الأزمان، ولا يختلف بتبدل الأمم واختلاف ألسنتها، ومجيء أمة بعد أمة، وهو الإيمان بالله تعالى إيمانًا خاليًا مما دسه المبتدعون، وتقوله المتقولون، والإيمان لما أنزله من الكتب إجمالًا، وبسائر أنبيائه ورسله الذين أوحى إليهم وأرسلهم إلى الأمم كلهم فإن الإيمان ببعضهم دون البعض، يوقع العالم في الشقاق المؤدي إلى انفراط المدنية الحقة، ويجر من آمن بالبعض إلى التعصب لمن آمن به، حتى يزعم أنه ليس على وجه البسيطة ناس غيره يستحق من الله الوحي إليه.

ولما كانت هذه الأمة أكمل الأمم دينًا بشهادة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وأن الدين الذي هذا شأنه ينهض بصاحبه إلى الارتقاء في الفكر

<<  <   >  >>