فدخل في الإيمان بالله، الإيمان بما أوجبه، أعني: الإيمان برسله، ودخل في الإيمان باليوم الآخر جميع أحكام الآخرة. ثم عطف عليه قوله:{وعمل صالحًا}، أي وصدق ما ادعاه من الإيمان باتباع شرع الرسول الذي في زمانه، بالأعمال الظاهرة، ولم يفرق بين أحد من الرسل، ولا أخل بشيء من اعتقاد ما جاءت به الكتب من الصلاح، فهؤلاء {لهم أجرهم} الذي وعدوه على إيمانهم وعملهم {عند ربهم}، متيقن جاري مجرى الحاصل، {ولا خوف عليهم} في حال الثواب في الآخرة، {ولا هم يحزنون}، يومئذٍ، وذلك يوجب أن يكون نعيمهم دائمًا، لأنهم لو جوزوا كونه منقطعًا لاعتراهم الحزن العظيم.
ثم إنَّه تعالى، بعد أن أدخل هذه الآية أثناء قصة بني إسرائيل- لما لها من المناسبة في هذا الموضع، ولما بها من ترويح نفس القارئ لطول قصتهم، وهذا باب من البلاغة عجيب، لأنَّ القصة الطويلة إذا سردت سردًا ولم يتخللها معنى غريب، ملّ سامعها، بخلاف ما إذا تخللها بيان غرائب موضوعها - لا جرم رجع إلى قصصهم على أحسن وجه، مبينًا أن هؤلاء أغلظ النَّاس أكبادًا، وأكثرهم جرأة وعنادًا لا يرعوون لرهبة، ولا يثبتون لرغبة - أو يقال: لما قرر الله سبحانه وتعالى، المذعن كائنًا من كان، تلاه بما لليهود من الجلافة الداعية إلى النفور عن خلال السعادة التي هي ثمرة العلم، وما له فسبحانه من التطول عليهم بإكراههم على ردهم إليه- فقال:
يقول تعالى مخاطبًا بني إسرائيل:{و} اذكروا {إذ أخذنا ميثاقكم}، أي: ميثاق اَبائكم بالعمل على ما في التوراة، {ورفعنا فوقكم الطور} حتَّى قبلتم، وأعطيتم الميثاق.