للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طبعه، وفضيلة عقله، إلى أن يكون من قوم يقومون في الاعتبار، قيام المنتهض في أمور الدنيا، وذلك لأن العرب جرى عرفهم في القوم أنهم لا يستعملونه إلا لأجل النجدة والقوة، حتى يقولون: قوم أو نساء، تقابلًا بين المعنيين، كما قال زهير:

وما أدْرِي وسوف إخالُ أدْرِي ... أقومٌ آلُ حِصْنٍ أم نِساءُ (١)

فقد اشتملت هذه الآية على جميع ما نقله البيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" عن الحليمي، أنه مما يجب اعتقاده في الله سبحانه وتعالى، خمسة أشياء:

الأول: إثباته سبحانه ليقع به مفارقة التعطيل.

والثاني: وحدانيته لتقع بها البراءة من الشرك.

والثالث: إثبات أنه ليس بجوهر ولا عرض، لتقع به البراءة من التشبيه.

والرابع: إثبات أن وجود كل ما سواه، كان بإبداعه له، واختراع إياه، لتقع به البراءة من قول من يقول: بالعلة والمعلول، كما يوضحه قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية.

والخامس: أنه مدبر ما أبدع، ومصرفه على ما يشاء، لتقع به البراءة من قول القائلين: بالطبائع، أو تدبير الكواكب، أو تدبير الملائكة، وهذا من قوله: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ} إلى آخرها. انتهى.

ثم إنه من المعلوم أن الأدلة على التوحيد كثيرة في الكتاب العزيز، والحكمة في ذلك، أنه لما كانت عقول الناس متفاوتة، جعل الله سبحانه الممكنات الموجودة، وهي كل ما سواه مما يدل على وجوده وفعله، بالاختيار على قسمين:

الأول: ما من شأنه أن يدرك بالحواس الظاهرة، المسمى في عرف أهل الشرع: الشهادة، والخلق، والملك.


(١) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى لثعلب صفحة (٧٣) وبنو حصن هؤلاء من كَلْبٍ القبيلة اليمنية.

<<  <   >  >>