للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقوالهم التي هي أهواء وباع، {بعد الذي جاءك من العلم} أي: من الدين المعلوم صحته بالبراهين الصحيحة، {ما لك من الله من ولي ولا نصير}، أي: معين يعصمك ويذب عنك، بل الله يعصمك من الناس، إذا أقمت على الطاعة والاعتصام بحبله.

ولما أفصح بمن يستحق النذارة منهم بتغيير الدين بأهوائهم، فأفهم من يستحق البشارة، تلاه بالإفصاح بالقسمين من يستحق البشارة منهم، ومن يستحق النذارة فقال:

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.

المعنى: أن مؤمني أهل الكتاب يتلون كتابهم بغير تحريف ولا تبديل، فيؤديهم إلى الإيمان بجميع رسل الله وبالقرآن، {أولئك يؤمنون به} حقًا، {ومن يكفر به} بالتحريف والتبديل، {فأولئك هم الخاسرون}، أي: الهالكون، حيث اشتروا الضلالة بالهدى.

وبعض المفسرين جعله شاملًا للمؤمنين أيضًا، وهو عندي حسن، ويكون المعنى على ما تقدم: {الذين آتيناهم الكتاب} يعني: القرآن، {يتلونه حق تلاوته}، فيبينون ما أنزل الله فيه من الأحكام والآداب والمواعظ، {أولئك يؤمنون به} إيمانًا حقيقيًا، {ومن يكفر به} فيؤوِّله على مقتضى هواه ليروج به نحلته وبدعته، كما فسره الباطنية فأخرجوه عن معناه، وحرفوه وغيروه، وبدلوه كما هو مشاهد في تفاسيرهم له، واختراع معانٍ له لا يدل عليها منطوق، ولا مفهوم، ولا كناية، ولا يمكن أن تفهم منه بدلالة من الدلالات، {فأولئك هم الخاسرون}.

ولم يصل اليهود في تحريف كتابهم إلى درجة أولئك الباطنية، فإن اليهود حرفوا بعضًا من كتابهم، وهؤلاء حرفوا القرآن من أوله إلى آخره، وأسندوا بعضًا من ذلك التحريف إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، وإلى أكابر أهل البيت،

<<  <   >  >>