للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واتباع أهوائهم وزيهم، والاقتداء بهم فيما كان هوى، وعلى أن توجه الوعيد على العلماء أشد من توجهه على غيرهم, لأن قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} يدل على ذلك.

ولما ختم الخطاب بالإشارة - بقوله: {أَهْوَاءَهُمْ} - إلى علمهم بحقية هذا التحويل تلويحًا، كما فتحه بالإعلام به تصريحًا، كرّر على تأكيد الإعلام بما هم عليه في أمرها من التحقق، إشارة [إلى] (١) ما يبطنونه من العناد الموجب للتمادي في الفساد، فقال مضمرًا له على وجه يصلح أن يكون للنبي- صلى الله عليه وسلم -، معظمًا لهذه المعرفة بإسناد الإيتاء إليه:

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}.

قيل: ضمير {يَعْرِفُونَهُ} راجع إلى البيت الحرام، أي: يعرفون بأنه القبلة {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} وهو قول قتادة والربيع وابن عباس والسدي وابن زيد وابن جريج، ولم يذكر ابن جرير غيره. وذلك أن في الآية السابقة قال تعالى: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} ثم قال: هنا يعرفونه، أي: ذلك الحق، ثم قال: {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ}.

وقيل: ضمير {يَعْرِفُونَهُ} عائد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي: يعرفونه معرفة جلية، يميزون بينه وبين غيره، كما يعرفون أبناءهم، لا تشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم، وهذا قول ابن عباس؛ واختاره الزجاج والرازي، ورجحه التبريزي، وبدأ به في "الكشاف"، وجعل القائلون بذلك الآية من باب الالتفات، ورجحه الرازي بأن الضمير إنما يرجع إلى مذكور سابق، وأقرب المذكورات العلم المراد به النبوة في قوله: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ} فكأنه تعالى قال: إنهم يعرفون ذلك العلم الذي هو نبوتك، كما يعرفون أبناءهم، وبأن الله ما أخبر في القرآن أن أمر تحويل القبلة مذكور في التوراة والإنجيل، بل أخبر أن نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - مذكورة


(١) زيادة من البقاعي ٢/ ٢٢٦.

<<  <   >  >>