للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يلزم منه إمكان أن يصير البرغوث فيلًا بمرور القرون، وكر الدهور، وأن ينقلب الفيل برغوثًا كذلك.

ثم إنه تعالى بين، أنه ليس هو الخالق للذرات المتركب منها الإنسان فقط، بل أن جميع الأكوان علويها، وسفليها، مخلوق له تعالى، ومكون بإرادته ومشيئته، فأبرز الكلام في معرض تذكر النعم، بأسلوب لطيف لئلا ينفر المخاطبون، فقال:

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)}.

فقوله: {هُوَ} يعود إلى لفظ الجلالة في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ}، وهي كلمة مراد بها هنا غيب الإلهية القائم بكل شيء، الذي لا يظهر لشيء، فذاته تعالى غيب، وظاهره الأسماء المظهرة من علو إحاطة اسم الله، إلى تنزيل عالم الملك، فكأنه يقول: هو، أي ما غاب عنكم، ولم يوقفكم علمكم وأفكاركم وعقولكم عليه، ولم يهدوكم إليه، وزعمتم أنه الطبيعة أو المادة والقوة، والإدراك أو الكواكب، أو غيرها مما تدعيه الفرق، مما هو في السماوات والأرض، إنما هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا، من المادة والقوة والإدراك، ومن جميع ما يوجد على ظاهر الأرض وباطنها، ومن القوى الموجودة فيها، مما يظهر شيئًا فشيئًا على يدي الاختراع، وخلق ذلك إنما هو لكم تتصرفون به، فإذا كان لكم وأنتم تصرفونه كيف شئتم، فكيف يكون خالقًا، فقوله: {لَكُمْ}، معناه: لأجلكم، ولانتفاعكم به في دنياكم، كما هو ظاهر لكم، وفي دينكم لتنظروا عجائب الصنع، فتستدلوا به على وجود الخالق، وقوله: {جَمِيعًا}، إنما هو إعلام بأن حاجة الإنسان لا تقوم بشيء دون شيء، وإنما تقوم بكلية ما في الأرض، حتى لو بطل منها شيء تداعى سائرها، وأن تلك الكلية هي مباحة لكم، فقد خلق الكل للكل، ومقابلة الكل في قوله: {لَكُمْ}، الدالة على الجمع بالكل، الذي يدل عليه، ما في لفظ {مَا} من العموم، يقتضي مقابلة الفرد بالفرد، وتعيين المالكية لهذا ولهذا، إنما يستفاد من دليل آخر.

<<  <   >  >>