للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وظللنا} معطوف على قوله: [{بَعَثْنَاكُمْ}] (١)، والتأويل: {ثم بعثناكم من بعد موتكم ... وظللنا عليكم الغمام}، وعدد عليهم سائر ما أنعم به عليهم. والغمام هو: ما غم السماء، فألبسها من سحابٍ وقتام، وغير ذلك مما يسترها عن أعين الناظرين، وكل مغطى فإن العرب تسميه مغمومًا، والمعنى: فعلنا ذلك لترقية أجسامكم، وترويح أرواحكم، وذلك أن الله سخر لهم السحاب في التيه، يسير بسيرهم، ويظلهم من الشَّمس، وأنزل عليهم {المن}، وهو الترنجبين مثل الثلج، يسقط من طلوع الفجر إلى طلوع الشَّمس، لكل إنسان صاع، {والسلوى}: هي طير السُّماني.

وهذه الخارقة، قد كان الصّحابة رضي الله عنهم في غنية عنها، لأنهم كانوا إذا احتاجوا دعا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بما عندهم من فضلات الزاد، فيدعو فيكثره الله تعالى، حتَّى يكتفوا عن آخرهم (٢)، وأيضًا فإن بني إسرائيل كانوا يومئذٍ في التيه، لما كانوا عليه من مخالفة موسى عليه السَّلام، والصحابة رضي الله عنهم لم يخالفوا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، في ساعة من الساعات، حتَّى يحصل لهم ما حصل لقوم موسى، أو يقاسوا عليهم، هذا والذي في التوراة أن المن شيء دقيق مثل القشور، كان كالجليد على الأرض، فكان كل واحد يلتقط منه على حسب أكله، وكانوا يلتقطونه صباحًا فصباحًا، فإذا حميت الشَّمس ذاب، إلَّا يوم السبت فكان لا ينزل، وقيل لهم: {كلوا من طيبات ما رزقناكم}، أي: كلوا من مشتهيات رزقنا الذي رزقناكموه، {وما ظلمونا} فيه، والتقدير: فخالفوا ما أمرناهم به، وعصوا ربهم ثم رسوله إليهم، وما ظلمونا بفعلهم ذلك ومعصيتهم، أي: ما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا، ومنقصة لنا، ولكن هم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها.

وفي هذه الآية ونحوها تحذير لمن يتلى عليهم القرآن، أن ينحوا نحو ما نحاه أولئك القوم، فيصيبهم مثل ما أصابهم، لأنَّ قصص القرآن ليس القصد منها


(١) زيادة يقتضيها السياق، وهي غير موجودة في الأصل.
(٢) كما في صحيح مسلم (٢٧).

<<  <   >  >>