بعضهم بعضًا، وقولهم:{لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ}، معناه: لن نصدقك، ولن نقر بما جئتنا به، {حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} عيانًا من غير خفاء، ولا نوع لبس برفع الساتر بيننا وبينه، وكشف الغطاء دوننا ودونه، حتَّى تنظر إليه أبصارنا، وقد ذكر الله بني إسرائيل اختلاف آبائهم، وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم، مع كثرة معاينتهم لآيات الله، وعبره التي تختلج بأقلها الصدور، وتطمئن بالتصديق معها النفوس، وذلك مع تتابع الحجج عليهم، وسبوغ النعم من الله لديهم، وهم مع ذلك، مرَّة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلهًا غير الله، ومرَّة يعبدون العجل من دون الله، ومرة يقولون: لا نصدقك حتى نرى الله جهرة، إلى غير ذلك من أفعالهم التي نطق بها الكتاب العزيز، وآذوا نبيهم بها، وبين تعالى أن هؤلاء الموجودين حين نزول القرآن، لن يعدوا أن يكونوا كأسلافهم في تكذيبهم، وجحودهم نبوة من أنزل عليه هذا الكتاب، وتركهم الإقرار به، وما جاء به مع علمهم به، ومعرفتهم بحقيقة أمره.
ثم بين تعالى ما حصل لهم من الجزاء بقوله:{فَأَخَذَتْكُمُ}، لما صدر منكم من الفظاعة وانتهاك الحرمة، {الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إليها، والصاعقة: كل أمر هائل رآه الشخص أو عاينه، أو أصابه، حتَّى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب، وإلى ذهاب عقل وغمور فهم، أو فقد بعض آلات الجسم، صوتًا كان أو نارًا أو زلزلة أو رجفًا، وما ذلك إلَّا بسبب تجرئهم على طلب ما لا يمكن حصوله، ولما كان إحياؤهم من ذلك في هذه الدار، غاية البعد وخرق العادة، عبر عنه بأداة التراخي فقال:{ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ}، أي: أحييناكم {مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} بالصاعقة التي أهلكتكم، وقد فعلنا بكم ذلك لتشكروني على ما أوليتكم من نعمتي عليكم، بإحيائي إياكم، لتتمكنوا من الإيمان، ومن تلافي ما صدر منكم من الجرائم.