للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقل حنيفًا مائلًا منعدلًا ... عن كل غي لم يزل معتدلا

أخذ ما قاله الزمخشري في "الكشاف": الحنيف: المائل عن كل دين باطل إلى دين الحق. وقال القفال: الحنيف لقب لمن دان بالإِسلام كسائر ألقاب الديانات، وأصله من إبراهيم عليه السلام.

وتضمنت هذه الآية معنى لطيفًا، وذلك كأنه سبحانه قال: إن كان المعول في الدين على الاستدلال والنظر، فقد قدمنا الدلائل، وإن كان المعول على التقليد، فالرجوع إلى دين إبراهيم وترك اليهودية والنصرانية أولى، وقوله {وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تعريض بهم وإيذان ببطل دعواهم اتباع إبراهيم، مع إشراكهم بقولهم: عزير ابن الله والمسيح ابن الله.

وقرأ الجمهور {مِلَّةَ} بالنصب، بإضمار فعل إما على المفعول، أي، بل نتبع {مِلَّةَ}، وإما على الإغراء، أي: الزموا {مِلَّةَ}، وقُرئ "مِلّةُ" بالرفع، على معنى أي: بل الهدى ملة، فتكون "ملة" خبرًا لمبتدأ محذوف، و {حَنِيفًا} حال من المضاف إليه، أو من المضاف، على جعل الـ {مِلَّةَ} بمعنى الدين، وعلى التقديرين فالحال لازمة.

ولما أجابهم تعالى بالجواب الجدلي أولًا، ذكر بعده جوابًا برهانيًا، فقال:

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: ١٣٦].

وبيانه: أن الطريق إلى معرفة نبوة الأنبياء ظهور المعجزة عليهم، ولما ظهر المعجز على يد محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجب الاعتراف بنبوته، والإيمان برسالته، فإن تخصيص البعض بالقبول، وتخصيص البعض بالرد يوجب المناقضة في الدليل، وأنه ممتنع عقلًا، فهذا هو الرد من قوله: {قُولُوا آمَنَّا} الآية، ومعنى الإيمان المذكور هنا: هو أن نؤمن بأن كل واحد من تلك الشرائع، كان حقًا في زمن أتى به، لا أننا نؤمن بكل واحدة منها إذ هي منسوخة، واختلف في المخاطب بتلك

<<  <   >  >>