للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متعلقة بمحذوف، أو هو معطوف على علة مقدرة، فكأنه قال: {وَاخْشَوْنِي} لأوفقكم {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} بهذا الدين المفيد لعز الدارين {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، ففي كلمة "لعل" إبهام يشعر بتصنيفهم صنفين: مهتد بالثبات على السنة، ومتغير فيه بوجه من وجوه بدعة، وذلك بناء على القاعدة المعروفة، من أنه: كل ما كان للخلق تردد، فهو من الحق تقسيم وإبهام في تعيين ذلك التقسيم والتصنيف، ففيه إعلام القوم بالاهتداء الدائم بما تفهمه صيغة الدوام، وإشعار بانقطاع قوم عن ذلك التمادي، بما يفهمه ما هو للخلق بموضع [الترجي] (١)، وفي طيه إشعار باستبدادهم بالأمر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وانقسامهم فيه بين ثابت عليه، دائم الاهتداء فيه، ومتغير عنه، كما ظهر فيما كان من ثبات من ثبت بعده، وردة من ارتد.

ثم إن قوله تعالى:

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٥١].

إما أن يتعلق بما قبله، أي: {وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} في الآخرة بالثواب، كما أتممتها عليكم في الدنيا بإرسال الرسول، أو هو متعلق بما بعده، أي كما ذكرتكم بإرسال الرسول، وقوله: {رَسُولًا مِنْكُمْ} وارد مورد الامتنان، أي: تعرفون من صفاته العلى، وهممه الحاملة على اتباعه، والتيمن برأيه، ما لا يعرفه غيركم، ولتكونوا أهل شرف كامل، حيث إن الرسول {مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا} فتجعلوها عوضًا من تناشدكم الأشعار، وتُغْنيكم عن إعمال الفكر في تكسب العلم والحكمة، كما كان الأوائل يجهدون أفكارهم في ذلك، ثم لا يصلون إلى معرفة الحق، فتلاوة الآيات تغنيكم عن التعب في ترتيب المقدمات، والاستدلال لها للتوصل إلى النتيجة، وأخذ الأمور بالشواهد، وتولى الله ورسوله تعليمهم، ليكون شرف المتعلم بحسب علاء من علمه، ففضل علماء هذه الأمة على سائر العلماء،


(١) زيادة من البقاعي ٢/ ٢٣٩.

<<  <   >  >>