ولما حث سبحانه وتعالى في الآيات السابقة على بذل المال، ندبًا وإيجابًا، في حالة الصحة والشح، وتأميل الغنى، وخشية الفقر، تصديقًا للإيمان، وأتبعه بذل الروح التي هو عديلها، بالقتل الذي هو أحد أسباب الموت، أتبع ذلك دلالته على حالة الإشراف على النقلة من دار الفناء إلى دار البقاء، ليستدرك المشرف على الموت ما فاته من بذل المال على حبه، فقال:
اعلم أن {كُتِبَ} في مثل هذا المقام، يقتضي الوجوب كما استفاض في الشرع، وأكد هنا بالتعبير بـ "على"، أي: فرضًا {عَلَيْكُمْ} أيها المؤمنون الوصية، {إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرًا}، وهو المال؛ {لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}، وهو: ما أذن الله فيه، وأجازه في الوصية، مما لم يتعمد الموصي به ظلمًا لورثته، {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}.
يعني بذلك: فرض عليكم هذا وأوجبه، وجعله حقًا واجبًا على من اتقى الله فأطاعه أن يعمل به.
وأما قوله:{إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} فمعناه: إذا دنا منه، وظهرت أماراته.
وقوله:{حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} مصدر مؤكد، أي: حق [ذلك](١) حقًا، أي: واجبًا.
قال ابن جرير: فإن قال قائل: أَوَفرض على الرجل ذي المال أن يوصى لوالديه وأقربيه الذين لا يرثونه؟