للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جرى ذكر اليهود وما جرى ذكر غيرهم، ولأن المؤمن بالرسول لا يكاد يسأله، فإذا سأل كان متبدلًا كفرًا بالإيمان، انتهى.

وعلى هذا فتكون إضافة الرسول على حسب الأمر في نفسه، لا على إقرارهم به، وفيه إشارة إلى تأكيد النسخ، فكأن الإضافة تشير إلى أنه قد نسخ شرع موسى وعدد من الأنبياء، بشرع محمد - صلى الله عليه وسلم -، والآن هو رسولكم، فلا تتعنتوا عليه كما تعنت أسلافهم على موسى من قبل، {ومن يتبدل الكفر} منكم {بالإيمان}، بأن يبقى على متمسكه الأول المنسوخ {فقد ضل سواء السبيل}.

وعندي أن الآية في حق اليهود وكما اختاره الفخر، وأن المراد بالرسول هو محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنه مرسل إليهم قطعًا، وأنها في حق المؤمنين على سبيل الوعظ، والصدع، أن لا يسلكوا مسلك اليهود في التعنت وكثرة السؤال، كما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط. وقال ابن جرير: هذه الآيات من قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا} خطاب من الله للمؤمنين من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، وعتاب منه لهم على أمر سلف منهم مما سر به اليهود، وكرهه رسول الله لهم، فكرهه الله لهم، فعاتبهم على ذلك وأعلمهم أن اليهود أهل غش لهم، وحسد وبغي، وأنهم يتمنون لهم المكاره، ويبغونهم الغوائل، ونهاهم أن ينتصحوهم، وأخبرهم أن من ارتد منهم عن دينه فاستبدل بإيمانه كفرًا فقد أخطأ قصد السبيل، انتهى.

وظاهر الآية يدل على أن السؤال لم يقع منهم، ألا ترى أنه قال: {أم تريدون أن تسألوا} فوبخهم على تعلق إرادتهم بالسؤال، إذ لو كان السؤال قد وقع، لكان التوبيخ عليه لا على إرادته، وكان يكون للفظ: "أتسألون رسولكم" وما أشبه ذلك، مما يؤدي معنى وقوع السؤال، لكن تظافرت النقول من المفسرين في سبب نزول هذه الآية، وإن اختلفت في التعيين، على أن هذا السؤال قد وقع.

ثم بين تعالى: أن من سأل الرسول ما سأل، مع ظهور المعجزات، ووضوح الدلائل على صدقه، كان سؤاله تعنتًا وإنكارًا، وذلك كفر، فقال: {ومن يتبدل} أي: ومن يأخذ الكفر بدل الإيمان، وهذا كناية عن الإعراض عن الإيمان، والإقبال على الكفر، كما في قوله تعالى: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى}، أو: المعنى

<<  <   >  >>