للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الليل. وقد يرتقي طول النهار بحسب تزايد ارتفاع القطب، إلى حيث يعيد اليوم بليلته نهارًا كله، ثم إلى أكثر من ذلك، إلى حيث يكون نصف السنة نهارًا، ونصفه الآخر ليلًا، وذلك إذا صار قطب الفلك الأعظم محاذيًا لسمت الرأس، وكون الليل والنهار في أنفسهما آيتين على وجود الصانع ووحدانيته ظاهر، وكذا من جهة ارتباطهما بحركة النير الأعظم، وكذا من جهة انتظام أحوال العباد بهما بسبب طلب المعاش في الأيام، والنوم والراحة في الليالي.

ومن جهة ثانية، لينظر العاقل كيف جعل الله الليل سكنًا ولباسًا، يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس، وتستريح من كد السعي والتعب، حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسباتها، وتطلعت إلى معاشها وتصرفها، جاء {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ} [الأنعام: ٩٦] سبحانه وتعالى بالنهار، يقدم جيشه بشير الصباح، فهزم تلك الظلمة ومزقها كل ممزق، وكشفها عن العالم فإذا هم مبصرون، فانتشر الحيوان، وتصرف في معاشه ومصالحه، وخرجت الطيور من أوكارها، فيا له من معاد ونشأة، دالان على قدرة الله سبحانه، وعلى المعاد الأكبر وتكرره، ودوام مشاهدة النفوس له، بحيث صار عادة ومألفًا منعها من الاعتبار به، والاستدلال به على النشأة الثانية، وإحياء الخلق بعد موتهم، ولا ضعف في قدرة القادر التام القدرة، ولا قصور في حكمته ولا في علمه يوجب تخلف ذلك، ولكن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وهذا أيضًا من آياته الباهرة، أن يعمي عن هذه الآيات الواضحة البينة من شاء من خلقه، فلا يهتدي بها، ولا يبصرها لمن هو واقف في الماء إلى حلقه، وهو يستغيث من العطش، وينكر وجود الماء، وبهذا وأمثاله يعرف الله عز وجل، ويحمد ويشكر.

ولما ذكر تعالى ما أنشأه عن سير الكواكب في ساحة الفَلك - بفتح الفاء-، أتبعه سير الفُلك - بضم الفاء - في باحة البحر فقال: {وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ}.

ويقال من وجه آخر: لما ذكر الله تعالى جملة الخلق وجملة الاختلاف في

<<  <   >  >>