للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإحاطة بهم عليهم في توحيد ربهم، وإرجاع ذلك إليه، دون أن يعزى ذلك إلى شيء من دونه، مما هو داخل في حصر موجود هذه الإحاطة، من المحيط الأعلى والمحيط الأسفل، والمحيط بالجوانب كلها، من ملبس الآفاق من الليل والنهار، خطاب إجمال يناسب مورد السورة، التي موضوعها إجمالات ما يتفسر فيها، وفي سائر القرآن من حيث إنها فسطاطه (١) وسنامه (٢).

ثم اعلم أن النهار عبارة عن مدة كون الشمس فوق الأفق، وفي الفجر زيادة ما بين طلوع الفجر الصادق، إلى غروب جرم الشمس، وأما الليل فعبارة عن مدة خفاء الشمس تحت الأفق، أو بنقصان الزيادة المذكورة، وذلك أن الشمس إذا غابت ارتفع رأس مخروط ظل الأرض إلى فوق، فوقع الإبصار داخله إلى أن يظهر الضلع المستنير منه من جانب الأفق الشرقي، فيكون أول الفجر الكاذب إن كان الضوء مرتفعًا عن الأفق بعد، وأول الفجر الصادق إذا قرب من الأفق جدًا وانبسط النور، حتى إذا غاب رأس المخروط تحت الأفق، طلع مركز جرم الشمس في مقابله فظهر أن الليل والنهار كيف يختلفان، أي يتعاقبان مجيئًا وذهابًا.

وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: ٦٢] والمراد بقوله تعالى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} ظلامًا وضياءً، أو طولًا وقصرًا، لأن زيادة أحدهما تستلزم نقصان الآخر، ضرورة كون مجموعهما أربعًا وعشرين ساعة، أو كيف يختلفان في الأمكنة، فإن نهار كل بقعة ليل بقعة تقابلها، ضرورة كروية الأرض، أو كيف يختلفان باختلاف البلدان، فإن البلد كلما ازداد عرضًا عن خط الاستواء، وهو الموضع المحاذي لمنطقة الفلك الأعظم، المسماة معدل النهار، ازداد نهاره في الصيف طولًا، وفي الشتاء قصرًا، وبالعكس


(١) فسطاطه: الفسطاط: الخيمة الكبيرة، ويراد بها مركز البلد، كما في "الفسطاط" بمصر حيث بنيت مكان مخيم عمرو بن العاص رضي الله عنه.
(٢) السنام: أعلى الشيء، وهي في الجمل كتلة الشحم التي على ظهره.

<<  <   >  >>