للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإنسان، ثم ثناه بآبائه وأمهاته، ثم ثلث بالأرض لأنها أقرب إلى الإنسان من السماء، والإنسان أعرف بحال الأرض منه بأحوال السماء، ثم لما كان نزول الماء من السماء، وخروج الثمرات بسببه، كالأمر المتولد من السماء والأرض، والأثر متأخر عن المتأثر، قدم ذكر السماء عليهما، وأوضح هذا البيان بتقديم سابقة النعم، ومقدمتها، والسبب من التمكن في العبادة والشكر، وهو أنه خلقهم أحياء قادرين، ثم نبههم إلى أنه تعالى جعل لهم الأرض التي هي مكانهم، ومستقرهم الذي لا بد لهم منه فراشًا، أي: بمنزلة عرصة المسكن (١)، ومتقلبه ومفترشه، وروي عن ابن عباس، وجماعة من الصحابة، أنهم قالوا في قوله تعالى: {جعل لكم الأرض فراشًا}، هي فراش يمشي عليها، وهي المهاد والقرار، ثم ذكر بآية ثانية من آلائه فقال: {والسماء بناء} أي: جعلها كالقبة المضروبة، والخيمة المطنبة، على هذا القرار؛ قال ابن جرير الطبري في تفسيره: سميت السماء سماء، لعلوها على الأرض، وعلى سكانها من خلقه، وكل شيء كان فوق شيء آخر فهو لما تحته سماء، ولذلك قيل لسقف البيت: سماؤه، لأنه فوقه، مرتفع عليه، ولذلك قيل: سما فلان لفلان، إذا أشرف له وقصد نحوه، عاليًا عليه، كما قال "الفرزدق":

سَمَوْنا لِنَجْران اليماني وأَهْلِهِ ... وَنَجْرانُ أَرْضٌ لم تدب مَغاوِلُةْ (٢)

وكما قال "نابغة بني ذبيان": سمت لي نظرة فرأيت منها (٣) ....

يريد بذلك أشرفت لي نظرة وبدت، فكذلك السماء، سميت للأرض سماء


(١) في الأصل: "عرضة للسكن" والتصويب من "تفسير الكشاف".
(٢) شرح ديوان الفرزدق، تعليق عبد الله الصاوي، ط (١) ١٣٥٤/ ١٩٣٦. ٢/ ٧٣٥ ويختلف معه في عجز البيت. وهي كذلك في الطبري:
ونجران أرضٌ لم تدَيَّثْ مَقاوِلُةْ
تديث: توطأ وتذلل. والمقاول: الملوك. ونجران: من بلاد اليمن على ساحل البحر الأحمر.
(٣) في ديوانه بتحقيق د. شكري فيصل ص ١٥٩:
صَفَحتُ بنظرة فرأيت منها ... تُحَيتَ الخِدْرِ واضِعَةَ القِرَامِ

<<  <   >  >>