للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)}.

لفظة {الذي} كلمة موضوعة للإشارة إلى مفرد، عند محاولة تعريفه بقضية معلومة له، ولهذا تسمع علماء البيان يقولون: والمقام الصالح للموصولية هو: أن يصح إحضار الشيء بواسطة جملة معلومة الانتساب إلى مشار إليه، بحسب الذهن، لأن وضع الموصول على أن يطلقه المتكلم على ما يعتقد أن المخاطب يعرفه بكونه محكومًا عليه بحكم حاصل له، فقوله: {الذي جعل لكم الأرض فراشًا}، الآية يقتضي أن المخاطبين كانوا عالمين بأن هذه الأشياء المذكورة لم توجد لذاتها، وأنها موجودة بإيجاد موجد لها، وذلك تحقيق قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: ٢٥، والزمر: ٣٨].

ولما كان العقل يقضي بأن العبادة والانقياد، يقتضيان أن يكونا للموجد الحقيقي، وأن ما يعبدونه من دونه محض افتراء وضلال، ذكر هنا خمسة أنواع من الدلائل، الدالة على أن العبادة لا تكون إلا لخالق الأكوان على الإطلاق، فذكر من الأدلة اثنين من الأنفس، وثلاثة من الآفاق، فبدأ أولًا بقوله: {خلقكم}، ثم ثنى بالآباء والأمهات بقوله: {والذين من قبلكم}، ثم ثلث بكون {الأرض فراشًا}، ثم أتى بالدليل الرابع، وهو كون {السماء بناء}، ثم أتى بالدليل الخامس المتضمن للأمور الحاصلة من السماء والأرض، فقال: {وأنزل من السماء ماءً} الآية، ثم ندد عليهم بقوله: {فلا تجعلوا لله أندادًا} ثم وبخهم على جريهم على غير مقتضى العلم، بقوله: {وأنتم تعلمون}.

إن في كلامه تعالى إرشادًا للضالين، وهداية للمستدلين، وبيانًا للمتعلمين.

وقد خاطبت هذه الآية الأصناف الثلاثة، وأرشدت المتعلمين إلى كيفية ترتيب الأدلة، وذلك أنه لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه، وعلمه بأحوالها أظهر من علمه بأحوال غيره، وكان الغرض من الاستدلال إفادة العلم، فكلما كان أظهر دلالة، كان أقوى إفادة، وكان أولى بالذكر، فلهذا السبب، قدم ذكر نفس

<<  <   >  >>