للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان أكبر الكبائر بعد الشرك: القتل، تلاه بالتذكير بما أخذ عليهم من العهدْ، وقرن به الإخراج من الديار، لأنَّ المال عديل الروح والمنزل أعظم المال، وهو للجسد كالجسد للروح، فقال:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٨٤)}.

هذه الآية خطاب لأسلاف اليهود، وتقريع لمن خلفهم من بعدهم، وزجر للمؤمنين من أن يفعلوا ذلك.

وقوله: {لا تسفكون دمائكم}، يصح حمله على الحقيقة وعلى المجاز، فأمَّا حمله على الحقيقة فيكون على معنى: لا تفعلون القتل بأنفسكم لشدة تصيبكم، وحنق يلحقكم، وإلى هذا يشير ما أخرجه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير، والنَّسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا" فقوله: تردى معناه: رمى بنفسه من الجبل أو غيره، وقوله يتوجأ يها مهموزًا معناه: يضرب بها نفسه.

وأخرج البُخاريّ عنه، أنَّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذي يخنق نفسه يخنقها في النَّار، والذي يطعن نفسه يطعن نفسه في النَّار، والذي يقتحم يقتحم النَّار".

وأخرج مسلم عن جندب بن عبد الله مرفوعًا: "أن رجلًا كان ممن كان قبلكم خرجت بوجهه قُرحة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها فلم يرقأ الدم حتَّى مات، قال ربكم: قد حرمت عليه الجنَّة" قوله: "فلم يرقأ" معناه: لم يجف، ولم يسكن جريانه. والكِنانة بكسر الكاف جعبة النشاب، ونكأها بالهمز نخسها وفجرها. وفي البات أحاديث في دواوين المحدثين ليس هنا محل استقصائها.

<<  <   >  >>