للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأحكام التي تستنبط من هذا الآية: أن الحِجَاج والنظر كان طريقة الصحابة والمؤمنين، وأن ذلك كان ظاهرًا عند اليهود، حتَّى قال بعضهم لبعض ما قالوا، وأن الحجة قد تكون إلزامية، لأنهم لما اعترفوا بصحة التوراة باشتمالها على ما يدل على نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، لا جرم لزمهم الاعتراف بالنبوة، ولو منعوا إحدى تينك المقدمتين لما تمت الدلالة، وأن الآتي بالمعصية مع العلم بكونها معصية يكون أعظم جرمًا ووزرًا.

ولما ذكر سبحانه وتعالى هذا الفريق الذي هو أعلاهم كفرًا، وأعتاهم أمرًا عطف عليه قسمًا أعتى منه، وأفظ، لأنَّ العالم يرجى لفته عن رأيه، أو تخجيله بالحِجَاج، بخلاف المقلد العاتي الكثيف الجافي، فقال:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٧٨) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)}.

هذه الآية والآيات السالفة، قسمت اليهود إلى أربع فرق:

أولاها: الفرقة الضَّالة المضلة، وهم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه.

والفرقة الثَّانية: المنافقون.

والفرقة الثَّالثة: الذين يجادلون المنافقين.

والفرقة الرابعة: هم المذكورون في هذه الآية بقوله تعالى: {ومنهم أميون}، أي: ومنهم عامة أميون، لا معرفة عندهم بقراءة ولا كتابة، وطريقهم التقليد وقبول ما يقال لهم.

فبين تعالى: أن الذين يمتنعون عن قبول الإيمان ليس سبب ذلك الامتناع واحدًا، بل لكل قسم منهم سبب آخر، كذا قاله الفخر، وقال: ومن تأمل ما ذكره الله تعالى في هذه الآية من شرح فرق اليهود، وجد ذلك بعينه في فرق هذه الأمة، فإن فيهم من يعاند الحق ويسعى في إضلال الغير، وفيهم من يكون

<<  <   >  >>