والقضاء، والحكم، ومنه:{رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف: ٨٩]، أي: احكم، والمعنى على هذا: أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم وقضاه فيكم، ومن حكمه ما أخذ به ميثاقكم من الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن قضائه فيهم أن جعل فيهم القردة والخنازير، وغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم. وكل ذلك كان لرسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - وللمؤمنين به حجة على المكذبين به من اليهود، المقرين بحكم التوراة وغير ذلك.
وأنت إذا تأملت سابق هذه الآية ولاحقها، علمت أن معنى:{بما فتح الله عليكم} من بعث محمَّد - صَلَّى الله عليه وسلم - إلى خلقه، وإخبارهم المؤمنين بنعته وصفاته، وزمن خروجه، لأنَّ الله تعالى قص علينا في أول هذه الآية ما كانوا يظهرون من قولهم للمؤمنين: آمنًا بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وبما جاء به، ثم يتلاومون فيما بينهم إذا خلوا على ما كانوا يخبرونهم بما هو حجة للمسلمين عليهم عند ربهم، والمحاجة فيما ألزم الله به من أتباع الرسل، تصح أن توصف بأنها محاجة فيه لأنها محاجة في دينه.
وقوله:{أفلا تعقلون} راجع إلى الذين خلوا، والمعنى: أنَّه عندما خلا بعضهم ببعض قالوا لهم: أتحدثونهم بما يرجع وباله عليكم، وتصيرون محجوجين به، أفلا تعقلون أن ذلك لا يليق بما أنتم عليه. وقيل: إن معنى قوله تعالى: {أفلا تعقلون}، راجع للمؤمنين المخاطبين بقوله تعالى:{أفتطمعون}، والمعنى: أفلا يكون لكم عقل ليردكم ذلك عن تعليق الأمل بإيمانهم. وهذا الوجه وإن كان قريب المعنى لكن الذي قبله أظهر.
ولما كان ظن الذين قالوا:{أتحدثونهم}، الآية، ظاهر الفساد, لأنَّه لو لم يكن علمه من قبل الله تعالى لم يقدر أن يعبر بعبارة تعجز الخلائق عن مماثلتها، وبخهم الله بقوله:{أولا يعلمون}، أي: ألا يعلمون أن علم المؤمنين لذلك لم يكن إلَّا عن الله لما قام عليه من دليل، {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون}، أي: يخفون من قولهم لأصحابهم، ومن غيره، {وما يعلنون} أي يظهرون ذلك فيخبر به أولياؤه، ومن جملة ما يعلنون وما يظهرون، إسراراهم الكفر وإعلانهم الإيمان.