الشجرة التي نهي عن أكلها، هي شجرة الخير والشر. وعلى كل فالله، أعلم بها، ولا يتعلق في بيان نوعها حكم، إذ لو تعلق به حكم لبين سبحانه وتعالى نوعها.
وغاية الأمر أن قوله تعالى لآدم:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، مشتمل على ما هو إباحة، وعلى ما هو تكليف، أما الإباحة، فإنه كان مأذونًا في الانتفاع بجميع نعم الجنة، وأما التكليف فهو أن المنهيّ عنه كان حاضرًا، وآدم كان ممنوعًا عن تناوله.
وللمفسرين هنا مسالك في كيفية خلق حواء، وفي كيفية إدخاله الجنة وفي غير ذلك، وكلها مأخوذة عن الإسرائيليات، والله أعلم بصحتها، منها ما يروونه عن ابن عباس، وابن مسعود، وناس من الصحابة: أن آدم لما أسكن الجنة بقي فيها وحده، وما كان معه من يستأنس به، فألقى الله عليه النوم، ثم أخذ ضلعًا من أضلاعه من شقه الأيسر، ووضع مكانه لحمًا فلما استيقظ وجد عند رأسه امرأة قاعدة، فسألها: من أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولِمَ خلقت؟ فقالت: لتسكن إلىَّ، فقالت الملائكة: ما اسمها؟ قال: حواء، قالوا: ولم سميتها حواء؟ قال: لأنها خلقت من شيء حي. وأنت تعلم أن معنى هذه الرواية في التوراة وهي مأخوذة منها، ولفظ ترجمة التوراة السبعينية أن الله ألقى على آدم سباتًا، فرقد، فنزع ضلعًا من أضلاعه، وأخلف له بدله لحمًا، فخلق الله من الضلع الذي أخذ من آدم امرأة فأقبل بها إلى آدم، فقال: هذه الآن التي قرنت إلي، وفي هذه عظم من عظامي ولحم من لحمي، فلتدع امرأة لأنها أخذت من الرجل، ولذلك يدع الرجل أباه وأمه، ويلحق بامرأته ويكونان كلاهما جسدًا واحدًا. وهذه المعاني موجودة في نسخ ترجمة التوراة الموجودة اليوم في الأيدي، وإذا تأملت الحكايات التي ينقلها المفسرون من هذا النمط وأمثاله، وجدت أكثرها في التوراة، أو هي من كلام كعب الأحبار، أو وهب بن منبه، ولا يثبت منها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومما يلحق بهذا البحث، اختلاف الناس في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام، وأهبط منها هل هي جنة الخلد، أو جنة أخرى غيرها في موضع عال من الأرض، وقد قال بالأول طائفة من العلماء.