للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعاد" (١): ولم يكن من هديه - صلى الله عليه وسلم - تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بعد، ولا صح عنه في ذلك شيء، وقد أفطر دحية بن خليفة الكلبي في سفر ثلاثة أميال، وقال لمن صام: قد رغبوا عن هدي محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وكان الصحابة حين ينشئون السفر، يفطرون من غير اعتبار مجاوزة البيوت، ويخبرون أن ذلك سنته وهديه - صلى الله عليه وسلم -. كما قال عبيد بن بشير: "ركبت مع أبي بصرة الغفاري، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في سفينة من الفسطاط في رمضان، فلم نجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة، قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت، قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". رواه أبو داود وأحمد (٢).

ولفظ أحمد: "ركبت مع أبي بصرة من الفسطاط إلى الإسكندرية، في سفينة، فلما دنونا من مرساها، أمر بسفرته فقربت، ثم دعاني إلى الغداء، وذلك في رمضان، فقلت: يا أبا بصرة، والله ما تغيب عنا منازلنا بعد، فقال: أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقلت: لا، فقال: كُل. قال: فلم نزل مفطرين حتى بلغنا".

وقال محمَّد بن كعب: "أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفر، وقد رحلت راحلته، وقد لبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة، ثم ركب" (٣). قال الترمذي: حديث حسن؛ وقال الدارقطني: فأكل وقد تقارب غروب الشمس.

وهذه الآثار صريحة في أن من أنشا السفر في أثناء يوم من رمضان، فله الفطر فيه، انتهى.


(١) هو في "مختصر زاد المعاد" للشيخ محمَّد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ص ٦٣. طبع المكتب الإِسلامي. وطبعتنا هي الأولى منه. وقد سرقه بعد ذلك بعض الجهات ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(٢) وهذا ابن خزيمة ٢٠٤٠ - طبع المكتب الإِسلامي، وصححه فيه الألباني بشواهده، وأحال على رسالته "تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر" وهي من مطبوعات المكتب الإسلامي.
(٣) هو في "صحيح سنن الترمذي - باختصار السند" ٦٤١.

<<  <   >  >>