للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقرب من معنى المسافر، ما لو دنا الصائمون في الحرب من عدوهم، فإن كانوا مسافرين فلهم الفطر، وإن كانوا في الحضر، وكان في الفطر قوة لهم على لقاء عدوهم، فهل. لهم الفطر فيه؟ للعلماء قولان، أصحهما دليلًا أن لهم ذلك.

قال ابن القيم: وهو اختيار شيخ الإِسلام أحمد ابن تيمية، وبه أفتى العساكر الإِسلامية، لما لقوا العدو بظاهر دمشق (١).

ولا ريب أن الفطر لذلك أولى من الفطر لمجرد السفر، بل إباحة الفطر للمسافر، تنبيه على إباحته في هذه الحالة، فإنها أحق بجوازه, لأن القوة هناك تختص بالمسافر، والقوة هنا له وللمسلمين، ولأن مشقة الجهاد أعظم من مشقة السفر، ولأن المصلحة الحاصلة بالفطر للمجاهد، أعظم من المصلحة بفطر المسافر، ولأن الله قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: ٦٠] , والفطر عند اللقاء من أعظم أسباب القوة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد فسر القوة بالرمي، وهو لا يتم ولا يحصل به مقصوده، إلا بما يقوي ويعين عليه من الفطر والغذاء، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للصحابة، لما دنوا من عدوهم: "إنكم قد دنوتم من عدوكم، فأفطروا أقوى لكم" (٢)، وكان رخصة، ثم نزلوا منزلا آخر فقال: "إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا" (٣) وكانت عزيمة، فعلل بدنوهم من عدوهم، واحتياجهم إلى القوة التي يلقون بها العدو وهذا سبب آخر غير السفر، والسفر مستقل بنفسه، ولم يذكره في تعليله، ولا أشار إليه بالتعليل به، اعتبارًا لما ألغاه الشارع في هذا الفطر الخاص، وإلغاء وصف القوة التي يقاوم بها العدو، واعتبار السفر المجرد إلغاء لما اعتبره الشارع وعلل به.


(١) وذلك في وقعة شقحب في رمضان سنة ٧٠٢، وينظر "الرد الوافر" ورسالة الأستاذ الفاضل محمَّد الصباغ "معركة شقحب".
(٢) هما في "مختصر صحيح مسلم" للمنذري- تحقيق الألباني، طبع المكتب الإِسلامي رقم (٦٠١).
(٣) هو في "صحيح الجامع الصغير" رقم (٢٣١٤).

<<  <   >  >>