للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيانه: أن الله تعالى قال: {فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ}، أي: الهدى المنسوب إليَّ، ولا نزاع في أن المقلد تابع لمن قلده لا يدري سوى هداه، ولا يعرف سوى طريقه فهو كالأعمى الذي يسيره قائده كيفما شاء.

ولما وعد الله متبع الهدى بالأمن من العذاب والحزن، عقبه بذكر من أعدّ له العذاب الدائم فقال:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩)}.

{الَّذِينَ كَفَرُوا} هم: الذين لم ينظروا في بديع صنع الله تعالى فيستدلوا به على وجود بارئهم، ولم يروا الآيات التي جعلها الله علمًا على غيب عهده، وهي جميع ما تدركه الحواس من السماء والأرض وما بينهما، لأن الحق تعالى أظهر الكون كتابة دالة على أمره، وجعل في العقل نورًا يقرأ به كتابه، فمن لا نور له فهو من أصحاب النار، أوجد تعالى الأشياء وخصائصها، وعلم الإنسان ما لم يعلم، من خصائص المعادن والنبات والحيوان، وعلمه أسرارها وعجائبها، ونبهه إلى سير النجوم وحركاتها، وأنار له (١) بها طريق الهدى، فمن عمي عنها رجع من النور إلى الظلمة، فكفر بالله وجحد وجوده، ونسب الفعل إلى الطبيعة، ومن تبع ذلك الهدى ازداد علمًا بتلك الآيات، ومعرفة بوجودها فاهتدى، ضل الأولون ولو تدبروا لازدادوا إيمانا بالخالق، و {وَكَذَّبُوا} بآيات الله تعالى فنسبوها إلى الطبيعة كما ينسب عباد الشمس الفعل إليها، فجمعوا بالكفر والتكذيب بين أفكار القلوب والألسنة، فـ {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، في الدنيا وفي الآخرة، أما في الدنيا فهم في الغم والحزن واليأس، وفيما يحرق بواطنهم، لكنهم لم يحسوا بذلك لاشتغالهم بما يمنعهم عن الإحساس، فإذا ماتوا صار ذلك الغيب شهادة.

ولما أقام سبحانه دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أولًا، وعقبها بذكر الإنعامات العامة داعيًا للناس عامة، لا سيما بني إسماعيل الذين هم قوم الداعي، وكان أحق من دعي بعد الأقارب وأولاه بالتقديم، أهل الدين والعلم، كانوا على


(١) الأصل: "وأتاه" ولعل الصواب كما ذكرنا.

<<  <   >  >>