للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما فرغ سبحانه من أمر أهل الكتاب بالإيمان بالله، والنبي والكتاب الذي هو من الهدى الآتي إليهم، المشار إلى ذلك كله بالإيفاء بالعهد عطف بقوله:

{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)}.

أي: حافظوا معاشر اليهود على صلاة المسلمين، وزكاتهم واركعوا مع الراكعين منهم، لأن اليهود لا ركوع في صلاتهم، ولك أن تجعل الركوع هنا بمعنى الخضوع لله بالطاعة، فيكون هذا من الله لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتوبة إليه، وبإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والدخول مع المسلمين في الإسلام، والخضوع له بالطاعة، وأما الزكاة فمعناها: التطهير، لأنها تطهير لما بقي من مال الرجل، وتخليص له من أن تكون فيه مظلمة لأهل السهمان.

ولما أمر علماءهم بما تركوا من معالي الأخلاق، من الإيمان والشرائع، بعد أمرهم بذكر ما خصهم به من النعم، ونهاهم عما ارتكبوا من سفسافها من كفر النعم، ونقض العهود وما تبع ذلك، وكانوا يأمرون غيرهم بما يزعمون أنه تزكية، وينهون عما يدعون أنه تردية، أنكر عليهم ترغيبًا فيما ندبهم إليه، وحثهم عليه، وتوبيخًا على تركه بقوله:

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٤٤)}.

فالهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجب من حالهم، و"الأمر" هو: الإلزام بالحكم، و "البر" هو: التوسع في أفعال الخير، وكل طاعة لله تعالى تسمى برًا والمعنى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ} بطاعة الله وتتركون {أَنْفُسَكُمْ} تعصيه، فهلا تأمرونها بما تأمرون به الناس من طاعة ربكم، وقد عيرهم بذلك، وقبح إليهم قبيح ما أتوا به، ومعنى نسيانهم في هذا الموضع، نظير النسيان الذي قال الله جل ثناؤه: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: ٦٧]، بمعنى: تركوا طاعة الله فتركهم الله.

وقوله: {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ}، تبكيت، مثل قوله: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،

<<  <   >  >>