فالحلال: المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد. ثم إن الحرام قد يكون حرامًا لخبثه، كالميتة والدم والخمر، وقد يكون حرامًا لا لخبثه، كملك الغير إذا لم يأذن في أكله.
فالحلال هو الخالي عن القيدين، والطيب في اللغة: الحلال، وقد يكون بمعنى الطاهر؛ والحلال يوصف بالطيب، لأن الحرام يوصف بالخبيث، والمراد به هنا الطاهر من كل شبهة.
فقوله:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} معناه: فتدخلوا في حرام أو شبهة، أو تحريم حلال، أو تحليل حرام، و"مِنْ" في قوله: {مِمَّا فِي الْأَرْضِ} للتبعيض، لأن كل ما في الأرض ليس بمأكول، و {خُطُوَاتِ} بضمتين، وأصلها: ما بين القدمين، والمعنى هنا:{وَلَا تَتَّبِعُوا} سبيل {الشَّيْطَانِ}، ولا تسلكوا طريقه، أو: لا تأتموا به، ولا تقفوا أثره، وهذان التفسيران متقاربان، وإنما هما بمقتضى اللغة، وليس بمراد هنا، بل المراد كأنه تعالى يقول لمن أبيح له الأكل على الوصف المذكور: احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان. فزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه، كما زجره عن تخطيه إلى الحرام، لأن الشيطان إنما يلقي للمرء ما يجري مجرى الشبهة، فيزين بذلك ما لا يحل له، فزجر الله عن ذلك، ثم بيّن العلة في هذا التحذير بقوله:{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
ثم إن قوله:{إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ} كالتفصيل لجملة عداوته، وحاصلها:"السوء"، وهو يتناول جميع المعاصي، سواء كانت من أعمال الجوارح أو من أعمال القلوب. {وَالْفَحْشَاءِ} هي: أقبح أنواع السوء، وهو ما يستعظم ويستفحش من المعاصي، والقول على الله بغير علم، وكأنه أقبح أنواع الفحشاء.
وهذه الثلاثة تفسير لـ {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}، بأنه يدعو إلى الصغائر والكبائر، والكفر والجهل بالله، ويشبه أن يكون معنى قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} الآية، هو المشار إليه بما رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس،