للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصليب، ويقتل الخنزير" وأطال في ذلك، ثم أتبعه الاستدلال بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: ١٤٥]. قال: والضمير في لغة العرب التي نزل بها القرآن، راجع إلى أقرب مذكور إليه، فصح بالقرآن أن الخنزير بعينه {رِجْسٌ}، و {اَلرِّجْسَ} حرام واجب اجتنابه.

فالخنزير كله حرام، لا يخرج من ذلك شعره ولا غيره، حاشا ما أخرجه النص عن الجلد إذا دبغ فحل استعماله (١).

ثم إنه رد على من يقول: إن تحريم شحمه إنما هو بالقياس على لحمه، وبرهن على أن تحريم الشحم إنما هو بطريق النص، لا بطريق القياس؛ وهذا قريب من قول ابن عطية في تفسيره، خص ذكر اللحم من الخنزير، ليدل على تحريم عينه، ذكّي أو لم يذكّ، وليعم الشحم وما هنالك من الغضاريف وغيرها.

وقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} الإهلال: رفع الصوت، ومنه الإهلال بالتلبية، ومنه سمي الهلال لارتفاع الصوت عند رؤيته، ومنه إهلال الصبي واستهلاله، وهو صياحه عند ولادته.

ومعناه والله أعلم: ما ذبح للآلهة والأوثان، يسمى عليه {لِغَيْرِ} اسم {اللَّهِ}، أو قصد به الأصنام، وإنما قيل: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ} , لأنهم كانوا إذا أرادوا ذبح ما قربوه لآلهتهم، سموا اسم آلهتهم التي قربوا ذلك لها وجهروا بذلك أصواتهم، فجرى ذلك من أمرهم على ذلك، حتى قيل لكل ذابح - يسمي أو لم يسمِّ، جهر بالتسمية أو لم يجهر-: مهلّ، فرفعهم أصواتهم بذلك هو الإهلال الذي ذكره الله فقال؛ {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}.

وقال قتادة: هو ما ذبح {لِغَيْرِ اللَّهِ} مما لم يسم عليه؛ وقال الضحاك: هو


(١) إن الدباغ يطهر الشعر والصوف لأنها كلها من الإهاب. هذا عند أكثر. وقد استنثى بعضهم جلد الخنزير.

<<  <   >  >>