للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي هو الجنة، كما حسدوا على السبب، وهو إنزال ما اقتضى الإيمان الموصل إلى الرضوان، الذي به تستباح الجنة، {[لن يدخل الجنة] (١) إلا من كان هودًا أو نصارى}، أي وقالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلف بين القولين ثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله، وأمْنًا من الإلباس لما علم من التعادي بين الفريقين، وتضليل كل منهما لصاحبه، ومثل هذا قوله تعالى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة: ١٣٥] ولما كانوا أبعد الناس عن هذه الأماني التي تمنوا لأنفسهم، قال تعالى مشيرًا إلى بعدهم عن ذلك: {تلك أمانيهم} تهكمًا بهم، وجمع الأماني مع أن قولهم {لن يدخل الجنة} أمنية واحدة، إشارة إلى الأماني المذكورة، وهي أمنيتهم أن لا ينزل على المؤمنين خير من ربهم، وأمنيتهم أن يردوهم كفارًا، وأمنيتهم أن لا يدخل الجنة غيرهم، أي: تلك الأماني الباطلة أمانيهم.

ولما كان كل مدع لغيب مفتقرًا في تصحيح دعواه إلى دليل، وكان مثل هذا لا يقنع فيه إلا بقاطع أَمَرَ أعلم الخلق، لأنه لا ينهض بإخراسهم في علمهم ولَدَدهم غيرُه، بمطالبتهم بذلك، ناقضًا لدعواهم، فقال: {قل هاتوا برهانكم} أي: هلموا حجتكم، على اختصاصكم بدخول الجنة، {إن كنتم صادقين} في دعواكم، وهذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وإن كل قول لا دليل فهو باطل غير ثابت، و"هات" صوت بمنزلة هاء بمعنى: أحضر، و "البرهان" هو البيان والحجة والبينة- ويقال له: الشاهد- قال:

من ادعى شيئًا بلا شاهد ... لا بد أن تبطل دعواه

ولما نادى عليهم بالكذب في قوله: {إن كنتم صادقين} أثبت لغيرهم بقوله: {بلى} ما ادعوا الاختصاص به، فـ {بلى} إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، وأفادت أيضًا أنه تعالى لما نفى أن يكون لهم برهان، أثبت لمن


(١) زيادة من البقاعي.

<<  <   >  >>