للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصل {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ}: وما يخرجون، لأن المناسب أن تعطف جملة فعلية على جملة فعلية، لكن عدل به إلى هذه العبارة للمبالغة في الخلود والإقناط عن الخلاص، والرجوع إلى الدنيا.

ولما بين تعالى التوحيد ودلائله، وما للموحدين من الثواب، وأتبعه بذكر الشرك، و {مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا}، ويتبع رؤساء الكفرة، أتبع ذلك بذكر إنعامه على الفريقين، وإحسانه إليهم، وأن معصية من عصاه، وكفر من كفر به، لم تؤثر في قطع إحسانه ونعمه عنهم، فقال:

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (١٦٩)}.

أقبل تعالى في هذه الآية على عباده إقبال متلطف، مترفق، مستعطف، مناديًا لهم إلى تأبيد نفعهم، قائلًا: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} أي: كافة.

وأبدى الحرالِّي هنا نكتة لطيفة، حاصلها: أنه لما استوفى تعالى ذكر أمر الدين، وكان هو غذاء القلوب، وزكاة الأنفس؛ نظم به ذكر غذاء الأبدان من الأقوات، ليتم بذكر النماءين، اللذين هما نماء البدن ظاهرًا، ونماؤه الديني باطنًا، لما بين تغذي الأبدان، وقوام الأديان من التعاون، على جمع أمري صلاح العمل ظاهرًا، وقبوله باطنًا.

ولما كانت رتبة الناس من أدنى المراتب في خطابهم، أطلق لهم الإذن تلطفًا بهم، ولم يلجئهم بالتقييد، فقال مبيحًا لهم ما أنعم به: {كُلُوا .. } إلى آخر الآية.

قال البيضاوي: نزلت هذه الآية في قوم حرموا على أنفسهم رفيع الأطعمة والملابس. انتهى.

والمشهور عند المفسرين: أنها نزلت في ثقيف وخزاعة، وعامر بن أبي

<<  <   >  >>