أمته، ونشرهم في أقطار الأرض، فجمعهم إليه بقوله:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} من جهات الأرض {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أي: في وقت صلاتكم، وهذا وإن كان عامًّا في الأشخاص والأحوال، إلا أن القرائن خصصته بالصلاة.
وقد ذكر كثير من المفسرين هنا أحكام استقبال القبلة، وخلاف الأئمة في ذلك، وإيراد الأدلة ونقضها، مما محله كتب الفروع والخلاف؛ وإننا لا نتعرض في كتابنا لهذا، ولكننا نذكر الأحكام المستنبطة من الآيات خاصة.
وحيث كان الأمر كذلك نقول: إن قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} يوجب الاستقبال، وقد ثبت عقلًا أنه لا سبيل إلى الاستقبال إلى الجهات إلا بالاجتهاد، وثبت بالعقل أن ما لا يتم الوجوب إلا به فهو واجب، لزم القطع بوجوب الاجتهاد، والاجتهاد لا بد وأن يكون مبنيًا على الظن، فكانت الآية دالة على التكليف بالظن، فثبت بهذا أن التكليف بالظن واقع في الجملة، ودلت الآية أيضًا على وجوب تعلم أدلة القبلة، وتلك الأدلة مذكورة في كتب أعمال الأسطرلاب والربع المقنطر والربع المجيب، والأعمال الهندسية، وأقرب الكل الآلة المعروفة ببيت الإبرة، فإنها كيفما وضعت انجذب طرف إبرتها إلى القطب الجنوبي والآخر إلى القطب الشمالي، فيحصل من ذلك معرفة الجهات الأربع، هذا إذا كانت غير معروفة بالخطأ، وهذه الطريقة يدركها العالم والجاهل، كما أن الساعة المعروفة في زمننا تعلم منها الأوقات، ويستوي الناس في معرفتها، ولشهرتها وكثرة إصابتها، أغنت عن أخذ الارتفاع بالربعين والأسطرلاب.
وهناك قاعدة للعالم بفن الميقات، وهي أن يؤخذ الجزء الذي يسامت رؤوس أهل مكة، من فلك البروج، وهو (زيح) من الجوزاء، و (كج، ح) من السرطان، فيضع ذلك الجزء على خط وسط السماء في الأسطرلاب المعمول لعرض البلد، ويعلم على المرى علامة، ثم يدير العنكبوت إلى ناحية المغرب إن كان البلد شرقيًا عن مكة، بقدر ما بين الطولين من أجزاء الحجرة، ثم ينظر أين وقع ذلك الجزء من مقنطرات الارتفاع، فما كان فهو الارتفاع الذي عنده يسامت هذا الجزء رؤوس أهل مكة، ثم يرصد مسامتة الشمس ذلك الجزء، فإذا انتهى