للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الفرض إصابة العين، لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة، فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها، فإن قيل: مع البعد يتسع المحاذي، قلنا: إنما يتسع مع تقوس الصف، أما مع استوائه فلا (١).

وشطر البيت نحوه وقبله، وأيضًا فشطر الشيء ما يقسمه نصفين؛ فكان المسجد الحرام إذا أخذ منه خط مستقيم إلى آخر نصف الكرة، وخط آخر إلى آخر نصفها الآخر فقد قسمها نصفين، كما يقسم الدائرة قطرها نصفين، ولا يلزم منه تساوي المقسومين في المقدار، ولا يفهم من كلام العرب الشطر بمعنى العين.

هذا وذهب ابن جرير الطبري إلى [أنْ] من ولّى وجهه شطر المسجد الحرام، هو المصيب القبلة، وإنما على من توجه إليه النيةُ بقلبه أنه إليه متوجه. انتهى، فكأنه جمع بين الأقوال، وهو جمع حسن.

قال أبو حيان في "البحر": واستدل مالك من قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده، خلافًا للثوري والشافعي والحسن بن حي: في أنه يستحب أن ينظر إلى موضع سجوده، وخلافًا لشريك القاضي: في أنه ينظر القائم إلى موضع سجوده، وفي الركوع إلى موضع قدميه، وفي السجود إلى موضع أنفه، وفي القعود إلى موضع حجره. انتهى.

قلت: والنظر إلى موضع سجوده هو قول أبي حنيفة والشافعي وأحمد، خلافًا لمالك كما علمته سابقًا، وما ذكره مالك حسن ظاهر من الآية.

ولما بشر تعالى نبيه بالتحويل أولًا، بقوله: {قَدْ نَرَى} الآية، وأوقع المبشر به ثانيًا بقوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أشار إلى بشارة ثالثة بتكثير


(١) ويؤيد هذا: أن الجماعة كانت تقام في حرم مكة المكرمة صفًا واحدًا من جهة واحدة من جهات الكعبة وراء الإمام، وأما صلاة الجماعة حول الكعبة، بصفوف حول استدارة الكعبة فكانت متأخرة عن ذلك، لما كثر الناس في عهد خلفاء بني أمية.

<<  <   >  >>