أولهما: أن المعنى: رزقنا من قبل من ثمار الجنة، لأن المرزوق ثانيًا لشدة مشابهته للأول في اللون والطعم، جعلوه كأنه هو، ومما تمسك به أرباب هذا القول، ما رواه ابن جرير وغيره، عن أبي عبيدة أنه قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى، قالوا: فإنما اشتبهت عند أهل الجنة، لأن التي عادت نظيرة التي نزعت فأكلت، بكل معانيها، قالوا: ولذلك قال تعالى: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} لاشتباه جميعه في كل معانيه.
وثانيهما: أن معنى الآية، هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا، ورجح هذا القول ابن جرير الطبري وقال: إنه قول ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعمدة المرجح أن الله تعالى لم يخصص بقوله:{مِنْ قَبْلُ}، بأن ذلك من قِيلهم في بعض دون بعض، فإذا كان قد أخبر عنهم، أن ذلك من قيلهم في كل ما رزقوا من ثمرها، فلا شك أن ذلك من قيلهم في أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الجنة، واستقرارهم فيها، الذي لم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة، فإذا كان لا شك أن ذلك من قيلهم في أوله، كما هو من قيلهم في وسطه، وما يتلوه، فمعلوم أنّه محال أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمار الجنة:{هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ}، هذا من ثمار الجنَّة، وكيف يجوز أن يقولوا لأول رزق رزقوه من ثمارها هذا هو الذي رزقناه من قبل، ولما يتقدمه عندهم مثال؟ إلا أن ينسبهم ذو غرة وضلال إلى قيل الكذب الذي قد طهرهم الله منه؛ أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قيلهم لأول رزق يرزقونه من ثمارها، فيدفع صحة ما أوجب الله صحته بقوله:{كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا} من غير نصب دلالة على أنه معنيٌّ به حال من أحوالهم دون حال.
فقد تبين بما بينا أن معنى الآية: كلما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالحات، من ثمرة من ثمار الجنة في الجنة رزقًا، قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا، وأنت خبير بأن ما قاله ابن جرير لا يلزم أصحاب القول الأول، لأنهم يخصون هذا العام، بما عدا الرزق الأول، لدلالة العقل والسياق عليه، وليس هذا